وساق البيهقي بسنده (١/ ١٢٦) عن يحيى بن سعيد قال: أما إن سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا، زعم أن حبيبًا لم يسمع من عروة شيئًا. وروى الدارقطني (١/ ١٣٩): عن علي بن المديني قال: سمعت يحيى - يعني: ابن القطان - وذكر عنده حديث الأعمش عن حبيب عن عروة، عن عائشة: تصلي وإن قطر الدم على الحصير، وفي القبلة. قال يحيى: إحك عني أنهما شبه لاشيئ. ونقله أبو داود (١٨٠)، والنسائي في السنن (١/ ١٠٤، ١٠٥) عن ابن القطان. كما ضعف هذا الحديث البخاري فيما نقله عنه الترمذي في سننه (١/ ١٣٥)، وقال الترمذي: وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا؛ لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد». فهذا يحيى بن معين والبخاري والثوري وابن القطان والترمذي يذهبون إلى تضعيف هذا الحديث. وهناك من أثبت سماع حبيب من عروة بن الزبير. قال أبو داود في السنن (١٨٠): قد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثًا صحيحًا. اهـ قلت: فهذه العبارة يدل منطوقها على أنه لا يصح عن حبيب عن عروة بن الزبير إلا حديث واحد عند أبي داود، ومفهومها أن ما عداها مما رواه حبيب عن عروة بن الزبير فهو ضعيف، وحمزة الزيات، قال ابن حجر فيه: صدوق زاهد ربما وهم. اهـ وقد تكلم فيه بعضهم. وقال ابن عبدالبر في الاستذكار (٣/ ٥٢): وحبيب بن أبي ثابت لا ينكر لقاؤه عروة، لروايته عمن هو أكبر من عروة، وأجل وأقدم موتًا، وهو إمام من أئمة العلماء الجلة. قلت: قد جزم الأئمة بعدم سماع حبيب بن أبي ثابت من عروة: كسفيان، وأحمد، وابن القطان، والبخاري، ويحيى بن معين، وأبي حاتم الرازي وغيرهم، وليس عند ابن عبد البر إلا مجرد إمكان اللقي، وكم من راو عاصر رواة ولم يسمع منهم، فلا يكفي هذا الاحتمال لرد ما جزم به الأئمة، كما أن كلام الأئمة مقدم على كلام أبي داود في قوله: روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثًا صحيحًا، لما علمت من الكلام على حمزة الزيات، وعلى التنزل فإنه يحمل على حديث خاص، كما قد يصرح بعض الأئمة بأن فلانًا لم يسمع من فلان إلا حديثًا واحدًا أو حديثين وهكذا، ولا يكون سماعه لحديث واحد مسوغًا لاتصال جميع مروياته، فنحمل كلام أبي داود على هذا جمعًا بين كلام الأئمة أحمد والبخاري وسفيان ويحيى بن سعيد القطان وابن معين والبخاري وأبي حاتم الرزاي وبين كلام أبي داود، فإن ثبت في كلامهم =