حتى الثوري الذي انفرد برواية الحديث عن أبي قيس قد ضعفه أيضًا، فقد ذكر البيهقي بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي (١/ ٢٨٤): قال: قلت لسفيان: لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك، فقال سفيان: الحديث ضعيف أو واه، أو كلمة نحوها. اهـ وساق البيهقي أيضًا بسنده، عن علي بن المديني أنه قال: حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة إلا أنه قال: ومسح على الجوربين، وخالف الناس. فجعل المخالفة من هزيل بن شرحبيل، والأئمة يجعلون المخالفة من أبي قيس، كما تقدم ذلك عن الإمام أحمد. وروى البيهقي من طريق المفضل بن غسان، قال: سألت أبا زكريا -يعني يحيى بن معين- عن هذا الحديث؟ فقال: الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس. وقال النسائي كما في السنن الكبرى (١٣٠): ما نعلم أن أحدًا تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين. وقال العقيلي: الرواية في الجوربين فيها لين. الضعفاء الكبير (٢/ ٣٢٧). وقال الدارقطني: في هذا الحديث لم يروه غير أبي قيس، وهو مما يغمز عليه به؛ لأن المحفوظ عن المغيرة المسح على الخفين. العلل (٧/ ١١٢). وقد ذكر مسلم في كتاب التمييز (ص: ٢٠٢) عشرة رواة بل أكثر في مقدمتهم مسروق وأبناء المغيرة حمزة وعروة رووه عن المغيرة ولم يذكروا ما ذكره أبو قيس، ثم قال مسلم: فكل هؤلاء قد اتفقوا على خلاف رواية أبي قيس، عن هزيل ... والحمل فيه على أبي قيس أشبه، وبه أولى منه بهزيل؛ لأن أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخبارًا غير هذا الخبر ... ». فهذا سفيان الثوري وابن مهدي وأحمد وابن معين وعلي بن المديني، ومسلم، والنسائي، والعقيلي، والدارقطني تسعة أئمة من أئمة العلل أعلوه وقدحوا فيه، فكيف ينهض وقد جرحه هؤلاء؟ ولم يخرجه البخاري مع أنه على شرطه، فيظهر أنه تركه لعلة المخالفة. وقال النووي بعد أن نقل عن بعض الأئمة المتقدم ذكرهم تضعيفه، قال في المجموع (١/ ٥٠٠): «وهؤلاء هم أعلام أئمة الحديث، وإن كان الترمذي قال: حديث حسن (صحيح) فهؤلاء مقدمون عليه، بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد مقدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة ... إلخ» وصحح الحديث بعضهم: قال الترمذي: حديث حسن صحيح. السنن (٩٩). =