للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• اختلفوا في تعليل الوضوء للجنب:

فقيل: الوضوء للجنب طلبًا للنشاط.

وقيل: من أجل المبيت على إحدى الطهارتين.

وبناءً على هذا الاختلاف اختلفوا في وضوء الحائض قبل أن تنام:

فمقتضى التعليل بالمبيت على إحدى الطهارتين أن تتوضأ الحائض؛ لأن المعنى موجود فيها.

ومقتضى التعليل بحصول النشاط ألا تؤمر به الحائض.

وإذا أحدث بعد الوضوء، فإن قلنا: لينام على إحدى الطهارتين أعاد الوضوء استحبابًا، وإن قلنا: الوضوء للنشاط لا يعيد.

وقيل شرع الوضوء؛ لأن النوم وفاة، فشرع للجنب نوع من الطهارة كالموت، وهذا التعليل لا يخص الجنب؛ لأن النوم وفاة في حق الجميع.

• وضوء الجنب هل هو رفع للحدث الأصغر، أو تخفيف للحدث الأكبر بتقديم أعضاء الوضوء بالغسل لشرفها، كما قال في غسل ابنته: اغسلنها وابدأن بمواضع الوضوء منها؟ لأن الحدث الأصغر لا يرتفع مع بقاء الأكبر، ولذلك لا ينتقض هذا الوضوء ببول، ولا غائط، ولا يبطل بشيء إلا بمعاودة الجماع؛ لأن هذا الوضوء لم يرفع حدثًا حتى يقال: بطل حكمه.

[م-٣٤٧] اتفق العلماء على جواز النوم للجنب قبل الاغتسال، واختلفوا في جواز النوم قبل الوضوء،

فقيل: الوضوء قبل أن ينام أفضل، وهو مذهب الحنفية (١)،

وإليه مال ابن عبد البر


(١) قال في المبسوط (١/ ٧٣): «ولا بأس للجنب أن ينام، أو يعاود أهله قبل أن يتوضأ؛ لحديث الأسود عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصيب من أهله، ثم ينام من غير أن يمس ماء، فإذا انتبه ربما عاود، وربما قام فاغتسل .... وإن توضأ قبل أن ينام فهو أفضل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أصاب من أهله، فتوضأ، ثم نام، وهذا لأن الاغتسال والوضوء محتاج إليه للصلاة لا للنوم والمعاودة، إلا أنه إذا توضأ ازداد نظافة فكان أفضل». اهـ
وعبارة الفتاوى الهندية أن الوضوء حسن، قالوا (١/ ١٦): «ولا بأس للجنب أن ينام ويعاود أهله قبل أن يتوضأ، وإن توضأ فحسن». فهذه العبارة لا يؤخذ منها سنية الوضوء للجنب، كما لا يؤخذ منها استحباب الوضوء له، وإنما يدل على أن الوضوء من الفضائل فحسب. وانظر بدائع الصنائع (١/ ٣٨).
بينما الزيلعي في تبيين الحقائق (١/ ٣) اعتبر الوضوء للجنب عند إرادة النوم سنة.
وفي شرح معاني الآثار للطحاوي (١/ ١٢٥) بعد أن ساق حديث أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينام وهو جنب، ولا يمس ماء.
قال الطحاوي: فذهب قوم إلى هذا، وممن ذهب إليه أبو يوسف، فقالوا: لا نرى بأسًا أن ينام الجنب من غير أن يتوضأ؛ لأن التوضئ لا يخرجه من حال الجنابة إلى حال الطهارة، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ينبغي له أن يتوضأ للصلاة قبل أن ينام».
فهذا ظاهره أن أبا يوسف لا يرى الوضوء للنوم من الجنب؛ لأنه جعل قول أبي يوسف في مقابلة قول من قال: ينبغي له أن يتوضأ، حيث قال الطحاوي: وخالف أبا يوسف آخرون، فقالوا: ينبغي له أن يتوضأ، فمعنى ذلك أن قول أبي يوسف: أنه لا ينبغي للجنب أن يتوضأ، وهذا قول آخر في مذهب الحنفية.
وقد فهم هذا الفهم أيضًا صاحب التاج والإكليل (١/ ١٤٥) من المالكية، فقال: «ونقل الطحاوي أن أبا يوسف ذهب إلى عدم الاستحباب، وتمسك بما رواه أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، أنه صلى الله عليه وسلم كان يجنب، ثم ينام، ولا يمس ماء».

<<  <  ج: ص:  >  >>