للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فَاطَّهَّرُوا) فما كان بيانًا لأمر واجب، يكون حكمه حكم ذلك الواجب، كما أن قوله سبحانه وتعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [النور: ٥٦]، مجمل، وجاء بيانه من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان امتثال الصفة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة الصلاة واجبة؛ لكونها بيانًا لأمر مجمل، وقل مثله في كثير من الأوامر المجملة في كتاب الله تعالى كما في قوله تعالى: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) [النور: ٥٦].

وأما الجمهور فيرون أن قوله تعالى: (فَاطَّهَّرُوا) أمر مبين وليس مجملًا، وكذلك قوله تعالى: (وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) [النساء: ٤٣]، فالغسل ليس مبهمًا، وإنما هو مبين، فأباح الله سبحانه وتعالى الصلاة بالاغتسال، فمن شرط الوضوء مع الغسل فقد زاد في الآية ما ليس فيها، ولو كان الوضوء واجبًا لذكره الله سبحانه وتعالى، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أفتى الصحابة بالاغتسال من الجنابة، ولم يذكر لهم الوضوء في أحاديث صحيحة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل الذي أصابته جنابة ولا ماء، قال: خذ هذا فأفرغه عليك، رواه البخاري (١)، فلم يطلب إلا إفراغ الماء على بدنه.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: إنما كان يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين. رواه مسلم (٢).

فاكتفى بالإفاضة، ولم يذكر الوضوء، وجاء بلغة (إنما) الدالة على الحصر.

وأما قول من فرق بين من أجنب، وهو محدث، وبين من أجنب وهو طاهر، فيلزم الأول الوضوء دون الثاني، قالوا: إذا كان محدثًا يلزمه الوضوء؛ لأنه قبل الجنابة لزمه الوضوء، فلا يسقط غسل الجنابة الوضوء الواجب عليه، وهذا قول ضعيف؛ لأن الأحداث تتداخل.


(١) صحيح البخاري (٣٣٧) من حديث طويل.
(٢) صحيح مسلم (٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>