للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالماء إذا كان نابعًا في أرض مباحة فهو مشترك بين الناس، وإن كان نابعًا في ملك رجل، فهل يجوز بيعه، أو لايجوز، فيه خلاف، والخلاف مبني على مسألة أخرى: هل يملك أو لا يملك؟

ومذهب الجمهور على أن الإنسان إذا حاز الماء من البئر واستخرجه منه فقد ملكه، وجاز له بيعه،

(٩٦٤ - ٤١) واستدلوا بما رواه البخاري في صحيحه،

من حديث الزبير ابن العوام، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يأخذ أحدكم أحبلًا، فيأخذ حزمة من حطب، فيبيع، فيكف الله بها وجهه خير من أن يسأل الناس، أعطي أم منع (١).

فإذا أذن الشرع في بيع الحطب، مع أن الشرع جعل الناس شركاء في الكلأ، فيحمل ذلك على أن الأمر قبل احتطابه، فكذلك الماء، إذا استخرجه من البئر في الأرض المباحة جاز له بيعه، وإن كانت البئر في أرضه فهو أحق بالماء إذا كان محتاجًا إليه، وإن كان غير محتاج إليه وجب بذله، ولا يجوز بيعه، ما دام الماء نقعًا في البئر، والله أعلم (٢).


(١) البخاري (٢٣٧٣).
(٢) القول الذي ذكرناه هو قول الجمهور، وأنه لا يجوز بيع الماء ما دام في البئر، مستدلين بعموم الأحاديث السابقة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء.
ولأن مياه الآبار في الأعم الأغلب متصلة بالمجرى العام للمياه، فهي تأتي إليه من غير أرضه إلى ملكه، فأشبه الماء الجاري في النهر يأتي إلى ملكه، فله حاجته منه، وما فضل يجب بذله، وهذا القول هو قول في مذهب الحنفية، ومذهب المالكية والحنابلة.
انظر بدائع الصنائع (٦/ ١٨٨)، الذخيرة (٦/ ١٦٦)، التمهيد (١٣/ ١٢٨)، المغني لابن قدامة (٤/ ٧١)، الكافي في فقه أحمد (٢/ ٤٤٥)، المبدع (٥/ ٢٥٣)، المحرر (١/ ٣٦٨).
وذهب الشافعية إلى أنه يجوز له أن يمنع الناس منه ما دام أن الماء قد نبع في ملكه، انظر روضة الطالبين (٥/ ٣١٠)، المهذب (١/ ٤٢٨)
وقال النووي في شرح مسلم (١٥٦٥): واعلم أن المذهب الصحيح أن من نبع في ملكه صار مملوكًا له، وحملوا حديث جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء، إما على أن النهي للتنزيه، أو يحمل حديث جابر على حديث أبي هريرة في مسلم (١٥٦٦): «لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ» فيكون معنى الحديث أن تكون لإنسان بئر مملوكة في أرض موات، لا مالك لها، وفيها ماء فاضل عن حاجته، ويكون هناك كلأ ليس عنده ماء إلا هذه، فلا يمكن لأصحاب المواشي رعيه إلا إذا حصل لهم السقي من هذه البئر، فيحرم عليه منع فضل هذا الماء للماشية، ويجب بذله لها بلا عوض؛ لأنه إذا منع بذله امتنع الناس من رعي ذلك الكلأ خوفًا على مواشيهم من العطش، ويكون بمنعه الماء مانعًا من رعي الكلأ، وعليه قال الشافعي: يجب بذل الماء بالفلاة بشروط: الأول: أن لا يكون هناك ماء آخر يستغنى به. الثاني: أن يكون بذل الماء لحاجة الماشية، لا لسقي الزرع. الثالث: أن لا يكون مالكه محتاجًا إليه.
ومذهب الجمهور أصح، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>