للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقيل: لا يلزمه، اختاره بعض المالكية (١)، حكاه بعضهم وجهًا في مذهب الشافعية (٢).

ومن أجاز رأى أن بذل الماء بين الناس ليس فيه منة، فأوجب قبول الهبة.

ومن منع رأى أن ذلك لا يسلم من منة، والمنة نوع من الحرج والأذى، وقد قال سبحانه وتعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: ٧٨].

والحقيقة أن المنة لها تعلق بالآخذ وبالدافع، فإن كان يعرف من حال الدافع أنه يتبع هبته بالمن والأذى، لم يلزمه قبوله، فإن بعض الناس قد يمن بالشيء الحقير، وبعض الناس قد يرى أن أخذك لهديته نوع من الإحسان عليه، كما قال الشاعر:

يا ذا الذي يعطي الكثير وعنده أني عليه بأخذه أتصدق، كما أن بعض الناس لم يتعود أن يسأل الناس شيئًا، حتى ولو لم يكن في ذلك منة من الدافع، فقد تعود أن تكون يده دائمًا عليا، واليد العليا خير من اليد السفلى.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبايع الناس على ألا يسألوا الناس شيئًا، كما في صحيح مسلم، قال الراوي: فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إياه (٣).

ثم هناك فرق بين أن يعطى الماء دون مسألة، وبين أن يسأل الناس الماء، ففي الأول أقل مِنَّة من الثاني.

وإذا غلب على ظنه أن يمنعه، أو يمن عليه ينبغي أن يقال: لا يجب عليه السؤال حتى على مذهب الجمهور القائلين بأنه إذا وهب له وجب عليه قبوله.


(١) الذخيرة للقرافي (١/ ٣٤٤).
(٢) قال النووي في المجموع (٢/ ٢٩١): «حكى صاحب التتمة والبيان وجهًا أنه
لا يلزمه قبوله، كما لا يلزمه قبول الرقبة للكفارة، وهذا ليس بشيء». اهـ
(٣) صحيح مسلم (١٠٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>