وهذا جواب قوي لو كان حديث ابن أبجر صحيحًا، أما إذا كان ضعفه بيِّنًا فلا حاجة لتلمس الجواب عن دليل لا يقوم بنفسه لضعفه، والله أعلم.
والقول بأن هناك شيئًا من أحكام الشريعة مشكوكًا فيه غير صحيح، ولا يجوز القول به ولا اعتقاده؛ لأن الشك إنما هو أمر عارض يعتري المجتهد عند تعارض الأدلة، وما يكون مشكوكًا فيه عند مجتهد لا يكون مشكوكًا فيه عند آخر؛ لأن الشك في الشيء هو عجز عن الوصول إلى الحكم الشرعي، قطعيًا كان أو ظنيًا، والتوقف وإن صح أن يكون من آحاد المجتهدين لقصور أو تقصير، لكن لا يصح كونه مذهبًا يدعى إليه وإلى تبنيه من أتباع المذهب الحنفي، بل يجب على غيرهم من علماء المذهب الحنفي الاجتهاد في الوصول إلى الحكم الشرعي، واختلاف الصحابة في شيء لا يوجب الشك في طهارة الشيء، فليس كل ما اختلف فيه الصحابة يكون حكمه مشكوكًا فيه، وإلا أدى الأمر إلى الشك في كثير من الأحكام الشرعية؛ لأن الأمور التي اختلف فيها الصحابة أكثر من الأمور التي اتفقوا عليها، بل يجب النظر في خلافهم، والأخذ بما هو أقرب إلى الكتاب والسنة وقواعد الشرع.
ثم إن الأحكام الشرعية جميعها قد بينها الله سبحانه وتعالى بيانًا واضحًا، كما قال تعالى:(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ)[النحل: ٨٩]، ولكن هذا البيان لم يعلمه كل أحد، والخلاف إنما هو ناشئ عن اختلاف الأفهام، فالقصور والتقصير إنما هو من قبل البشر، لا من قبل التشريع قطعًا.