للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقيل: سؤرهما نجس، وهو مذهب الحنابلة (١).

وهذا الخلاف راجع إلى الخلاف في أعيانها هل هي طاهرة أم نجسة، وقد ذكرنا أدلة كل قول في مسألة مستقلة، إلا أن هنا كلامًا يزاد على ما ذكر، وهو وجه التفريق عند الحنفية بين سباع الطير، وبين سباع البهائم، مع أن ذواتها نجسة عندهم، قالوا في وجه التفريق:

إن القياس نجاسة سؤرها على نجاسة لحمها، ولكن ترك هذا القياس للاستحسان، وذلك أن سباع الطير تشرب بمنقارها، وهو عظم جاف، بخلاف سباع البهائم التي تشرب بلسانها، والذي يكون فيه رطوبة من لعابها، وهو نجس، وسباع الطير تنقض من علو لتشرب من الأواني، وفي الحكم بتنجيس آسارها حرج شديد، والحرج مرفوع عن هذه الأمة، والله أعلم.

• الراجح:

قد سبق فيما مضى ترجيح أن أعيان السباع نجسة، ولكن هذا لا يكفي للحكم بنجاسة سؤرها؛ لأن نجاسة سؤرها مبني على مسألة أخرى، وهي إذا وقعت نجاسة في الماء، فهل ينجس بمجرد وقوع النجاسة، أو يشترط للحكم بالنجاسة أن يتغير أحد أوصاف الماء: طعمه أو لونه أو ريحه؟

فالعلماء متفقون على أن الماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة ولم تغيره فإنه طهور،

وقد نقل الإجماع على ذلك ابن الهمام من الحنفية (٢)، وابن رشد، من المالكية (٣)،


(١) كشاف القناع (١/ ١٩٢)، الإنصاف (١/ ٣٢٩).
(٢) شرح فتح القدير (١/ ٧٧، ٧٨)، وانظر البناية (١/ ٣١٩)، البحر الرائق (١/ ٩٤).
(٣) مواهب الجليل (١/ ٥٣)، ونقل الإجماع كذلك ابن عبد البر كما في التمهيد (٩/ ١٠٨)، وقال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد (١/ ٢٤٥): «واتفقوا على أن الماء الكثير المستبحر لا تضره النجاسة التي لم تغير أحد أوصافه، وأنه طاهر».
وقال الحطاب في مواهب الجليل (١/ ٥٣): الماء الكثير إذا خالطه شيء نجس، ولم يغيره، فإنه باق على طهوريته. اهـ وانظر الخرشي (١/ ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>