للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من غير نكير، ثم علم فيما بعد من رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك، وكون ابن عمر حين بلغه النهي ترك ذلك إنما فعله من باب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، ولذلك كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال: زعم ابن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ولم ينسب ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، وكما أن هذا يفهم من قوله: «زعم» ولم يقل أخبرنا، أو قال لنا. والله أعلم.

ولكن الجواب عن هذا هو ما ذكرناه عن الحديث الأول، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يلزمه أن يبلغ كل فرد بالأمة، فإذا بلغ من تقوم به الحجة، وتحفظ به الشريعة كفى.

والذي تلخص لي أن الصحابي إذا قال: كنا نفعل، أو كانوا يفعلون، غير مضاف إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يكون مرفوعًا؛ لأن الإقرار منه صلى الله عليه وسلم منتف في غير عهده صلى الله عليه وسلم، وهل يكون حجة؟

الجواب: إن خالف مرفوعًا لم يلتفت إليه أبدًا. وإن خالف موقوفًا على صحابي آخر نظر في أدلة كل قول. وإن لم يخالف فإنه حجة لا لاعتبار كونه مرفوعًا ولكن باعتبار أنه قول لبعض الصحابة لا يعلم له مخالف، وقول الصحابة مقدم على قول غيرهم، فهم أقرب من غيرهم لفهم الشرع، وقد عاصروا الوحي، وهم أهل اللسان.

وقد اختلف العلماء في عده إجماعًا.

فحكى الآمدي في الإحكام أن جمهور العلماء يعدونه إجماعًا؛ لأن الصحابي إذا قال: (كانوا يفعلون كذا) فإن هذا يفيد إضافة الفعل المحكي إلى جميع أهل الإجماع من ذلك العصر، فيكون الصحابي بتلك الصيغة قد نقل لنا الإجماع، وقد ذهب إلى ذلك أبو الخطاب في التمهيد، وشيخه أبو يعلى في العدة.

واختار بعض الأصوليين بأنه لا يفيد الإجماع ما لم يصرح الصحابي بنقل الإجماع عن أهله، وهم أهل الحل والعقد.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>