القول الثاني: قالوا إن (أو) في قوله (يتصدق بدينار أو نصف دينار) للشك. فقد أخرج الدارمي (١١٠٦): حدثنا أبو الوليد، ثنا شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو نصف دينار. قال شعبة: شك الحكم. ورجح العلامة أحمد شاكر أن شعبة فهم من كلمة (أو) أنها للشك، ورجح أن (أو) للتخيير. والحقيقة أن الحكم قد صرح بالشك، وليس قول شعبة: شك الحكم فهمًا منه، فقد أخرجه عبد الرزاق (١٢٦٢) عن ابن جريج قال: كان الحكم بن عتيبة عن مقسم يقول: لا أدري قال مقسم دينارًا أو قال: نصف دينار، وكما وقع الشك من الحكم وقع الشك من مقسم أيضًا كما سيأتي. القول الثالث: ذهب الإمام أحمد أن (أو) للتخيير، فقد نقل الخطابي في معالم السنن (١/ ١٧٣): «أن أحمد بن حنبل كان يقول: هو مخير بين الدينار ونصف الدينار. وهذا من أضعفها، ولا أعرف له شبهًا في الكفارات، أن يكون الإنسان مخيرًا في جنس واحد، بمعنى أن نصف الدينار واجب والنصف الآخر مستحب، فالصدقة المستحبة مفتوحة ليس لها حد، والمعروف في الكفارات التي تأتي على التخيير أن يكون كل واحد منها واجبًا لا بعينه، وذلك مثل كفارة اليمين، فالتخيير بين الإطعام، والكسوة، وتحرير الرقبة كل واحد منها واجب لا بعينه، ومثله المحرم في كفارة حلق الرأس من الأذى، بخلاف قوله: (يتصدق بدينار أو نصف دينار)، فإن الدينار ليس واجبًا، والنصف منه واجب على القول بالتخيير. العلة الرابعة: الاختلاف على الحكم في متنه. فتارة يقول: (دينار أو نصف دينار) على الخلاف السابق في (أو). وتارة يجزم بأن الواجب نصف دينار بدون (أو). وتارة يجزم بأن الواجب دينار فإن لم يجد فنصف دينار. لاشك أن أكثر الروايات عن الحكم لفظها: (يتصدق بدينار أو نصف دينار) على الخلاف في معنى (أو) كما سبق وقد عزوت طرق الحكم فيما سبق من رواية شعبة وغيره فارجع إليها في أول البحث. وقد أخرجه النسائي في الكبرى (٩١٠٠) والطبراني في الكبير (١٢١٢٩) من طريق إسماعيل ابن زكريا، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس موقوفًا: يتصدق بنصف دينار. ورجاله ثقات إلا إسماعيل بن زكريا فإنه صدوق. =