عادته إذا طلق امرأته أن يخرجها عنه أمره بأن يراجعها، ويمسكها، فإن هذا الطلاق الذي أوقعه ليس بمعتبر شرعًا، ولا تخرج المرأة عن الزوجية بسببه، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم لبشير بن سعد في قصة نحله ابنه، وذكر نحوًا مما نقلناه عنه من الزاد. ثم قال: فكذلك أمره برد المرأة ورجعتها لا يدل على أنه لا يكون إلا بعد نفوذ الطلاق، بل لما ظن
ابن عمر جواز هذا الطلاق فأقدم عليه قاصدًا لوقوعه، فرد إليه النبي صلى الله عليه وسلم امرأته، وأمره أن يردها، ورد الشيء إلى ملك من أخرجه لا يستلزم خروجه من ملكه شرعًا كما ترد العين المغصوبة إلى مالكها ويقال للغاصب ردها إليه ولا يدل ذلك على زوال ملك صاحبها عنها .. » إلخ كلامه (١).
والحقيقة هذا الجواب من ابن القيم ليس بالذي يشفي الصدر، فلا يزال في النفس شيء، فقوله: إن إطلاق المراجعة على ابتداء النكاح فهي ليست في مسألتنا، والتعبير (أن يتراجعا) يختلف عن قوله: (فليراجعها) فإن الأول مفاعلة من الطرفين؛ لأن ابتداء النكاح لابد فيه من الرضا منهما، والمراجعة حق للزوج ولو لم ترض الزوجة، وأما قوله: إن الرجل من عادته إذا طلق زوجته أن يخرجها عنه، فأمره أن يراجعها، ويمسكها فهذا لا يظن من ابن عمر، وقد كان الطلاق منه بعد سورة الطلاق لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:(فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء)، وقد قال سبحانه في سورة الطلاق:(لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ)[الطلاق: ١]، وحرص ابن عمر على السنة معلوم، وليس في الحديث ذكر أن ابن عمر قد أخرجها من بيته حتى يقال المراد (فليراجعها) الرد الحسي، وجميع طرق الحديث لم تتعرض لهذا، فاعتقاد أن ابن عمر قد أخرجها من بيته فأمره أن يردها إلى بيته دعوى لا دليل عليها، ولو أخرجها لأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم إخراجها من بيته، ولم يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عمر، هل أخرجها من بيته؟ وسؤال عمر لم يتعرض لهذا، فمن أين أخذ ذلك ابن القيم رحمه الله من الحديث؟