ثانيًا: أن أحاديث الصحيحين ترد المستحاضة إلى عادتها، وحديث ابن عقيل يردها إلى غالب النساء لا إلى عادتها ولا إلى التمييز، ولا أعلم له متابعًا، فانفراده بهذا الأصل، ومخالفته لأحاديث الصحيحين تجعله غير مقبول. فهذه قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش صريحة بردها إلى عادتها، فقد روى البخاري (٣٠٦): من طريق مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش، وفيه: (فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي). فقوله: (فإذا ذهب قدرها) صريح بردها إلى العادة. ورواه البخاري (٣٢٥) من طريق أبي أسامة عن هشام به بلفظ: (ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها). ورواه ابن حبان (١٣٥٥) بسند صحيح من طريق أبي عوانة عن هشام به بلفظ: (تدع الصلاة أيامها). كما أن أم حبيبة قد ردها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عادتها. وروى مسلم (٦٥ - ٤٣٤) عن عائشة في قصة استحاضة أم حبيبة وفيه: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي). فهذه أحاديث الصحيحين ظاهرة برد المستحاضة إلى عادتها. وهنا حديث ابن عقيل رحمه الله ردها إلى غالب الحيض، فقال: (تحيضي ستة أيام، أو سبعة أيام)، فلم يردها إلى عادتها، وقد تكون عادتها أكثر أو أقل، ولم يردها إلى التمييز. وقد قال الخطابي في معالم السنن (١/ ١٨٣): «إنما هي امرأة مبتدأة لم يتقدم لها أيام، ولا هي مميزة لدمها، وقد استمر بها الدم حتى غلبها، فرد الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها إلى العرف الظاهر، والأمر الغالب من أحوال النساء، كما حمل أمرها في تحيضها كل شهر مرة واحدة على الغالب من عادتهن ... » إلخ. قلت: أين الدليل من الحديث على أنها مبتدأة، هذا أولًا. وثانيًا: أنها لاتستطيع أن تميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة. =