للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الشنقيطي: قوله تعالى: (خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ) [النحل: ٤]، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه خلق الإنسان من نطفة، وهي مني الرجل ومني المرأة؛ بدليل قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) [الإنسان: ٢]، أي أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة (١).


= ومنه قول رؤبة بن العجاج:
يطرحن كل معجل نشاج ... لم يكس جلدا في دم أمشاج
يقال منه: مشجت هذا بهذا إذا خلطته به، وهو ممشوج به ومشيج أي مخلوط به، كما قال أبو ذؤيب:
كأن الريش والفوقين منه ... خلال النصل سيط به مشيج
واختلف أهل التأويل في معنى الأمشاج الذي عنى بها في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة، ونسب الطبري هذا القول إلى ابن عباس وعكرمة، والربيع، والحسن، ومجاهد.
القول الثاني: قال آخرون: إنما عنى بذلك إنا خلقنا الإنسان من نطفة ألوان ينتقل إليها، يكون نطفة، ثم يصير علقة، ثم مضغة ثم عظما ثم كسي لحما، ونسب هذا القول لابن عباس، وعكرمة.
القول الثالث: وقال آخرون عني بذلك اختلاف ألوان النطفة.
ونسب هذا القول لابن عباس، ومجاهد.
القول الرابع: قال آخرون بل هي العروق التي تكون في النطفة، ونسب هذا القول لابن مسعود، وزيد بن ثابت.
قال الطبري: وأشبه هذه الأقوال بالصواب قول من قال معنى ذلك من نطفة أمشاج نطفة الرجل ونطفة المرأة لأن الله وصف النطفة بأنها أمشاج وهي إذا انتقلت فصارت علقة فقد استحالت عن معنى النطفة فكيف تكون نطفة أمشاجا، وهي علقة، وأما الذين قالوا: إن نطفة الرجل بيضاء، وحمراء، فإن المعروف من نطفة الرجل أنها سحراء على لون واحد وهي بيضاء تضرب إلى الحمرة وإذا كانت لونا واحدا لم تكن ألوانا مختلفة وأحسب أن الذين قالوا هي العروق التي في النطفة قصدوا هذا المعنى». وانظر هذه الأقوال أيضًا في تفسير أبي السعود (٩/ ٧٠)، وتفسير السيوطي (٨/ ٣٦٨)، وتفسير القرطبي (١٩/ ١٢٠)، وزاد المسير (٨/ ٤٢٨).
(١) أضواء البيان (٢/ ٣٣٠). ويقول د. محمد علي البار في كتابه: خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: ١٨٥ - ١٩٢): «لم تكن البشرية تعرف شيئًا عن النطفة الأمشاج ـ يقصد عن طريق علومها التجريبية ـ (وهي الأخلاط من الذكر والأنثى) فقد كان الاعتقاد السائد لدى الفلاسفة، والأطباء أن الجنين الإنساني إنما يتكون من ماء الرجل، وإن رحم المرأة ليس إلا محضنًا لذلك الجنين، وشبهوا ذلك بالبذرة ترمى في الأرض فتأخذ منها غذاءها، وتخرج شجرة يافعة وارفة الظلال يانعة الثمار، وليس للمرأة دور في إيجاد الجنين سوى رعايته وتغذيته ..
ثم ذكر نظريات الناس حول إيجاد الجنين من وقت أرسطو إلى القرن التاسع عشر، وقال بعد عرضه لها:
وهكذا يبدو بوضوح أن الإنسانية لم تعرف بواسطة علومها التجريبية أن الجنين الإنساني أو الحيواني يتكون من امتشاج واختلاط نطفة الذكر ونطفة الأنثى إلا في القرن التاسع عشر، ولم يتأكد لها ذلك إلا في القرن العشرين، والإعجاز في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أنهما قد أكدا بما لا يدع مجالًا للشك أن الإنسان إنما خلق من نطفة مختلطة سماها النطفة الأمشاج (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [الإنسان: ٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>