للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفائدة الثانية: أن ابن عمر بعد الإفطار من رمضان يأخذ من لحيته ورأسه إلا أن ينوي الحج، فإن كان بنيته الحج كف عن الأخذ من رأسه ولحيته ليأخذ منهما بعد تحلله.

والذي يظهر أن ابن عمر لا يرى أن الأخذ من اللحية له علاقة بالنسك، وإنما لما كان ممنوعًا من الأخذ من لحيته ورأسه بعد تلبسه بالإحرام عادت الإباحة بعد تحلله من إحرامه وارتفاع الحظر، فصار حلالًا له الأخذ من لحيته كما كان قبل إحرامه يأخذ من لحيته قبل إفطاره من رمضان.

قال ابن عبد البر في الاستذكار: «لما كان حرامًا عليه أن يأخذ من لحيته وشاربه، وهو محرم، رأى أن ينسك بذلك عند إحلاله» (١).

فتبين أن دعوى أصحابنا أن ابن عمر لم يكن يأخذ من لحيته إلا في النسك دعوى ليست صحيحة.

قال ابن عبد البر: هذا ابن عمر روى: (أعفوا اللحى) وفهم المعنى، فكان يفعل ما وصفنا، وقال به جماعة من العلماء في الحج وغير الحج.

الجواب الثاني:

على فرض أن يكون الصحابة لم يأخذوا من لحاهم إلا في النسك، فهل كان الأخذ محرمًا والنسك أباح لهم انتهاك المحرم؟ أو يقال: إن فعلهم في النسك دليل على أن الترك خارج النسك لم يكن واجبًا، فقد يستحبون الإعفاء كما قال عطاء: كانوا يحبون أن يعفوا لحاهم إلا في حج أو عمرة، وقد يكره بعضهم الأخذ منها، أما أن يكون الشيء محرمًا ثم يبيحه النسك فهذا القول لا يقوم على فقه ولا نقل. والدليل على هذا:

أولًا: أن اللحية لا تعلق لها بالنسك، وإنما النسك في شعر الرأس خاصة، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم النسك من قوله، ومن فعله، وقال: خذوا عني مناسككم، ولم ينقل


(١) الاستذكار (٤/ ٣١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>