للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذلك جاء في مسلم: (كان كثير شعر اللحية) ولا يلزم منه أن تكون طويلة إلى حد تتجاوز القبضة، والله أعلم.

والأخذ من اللحية ليس واجبًا؛ لكون النصوص عن الصحابة مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، وفي دلالته على الاستحباب نظر، فإن كان من أمور العبادات كان مستحبًا، وإن كان من قبيل العادات كان مباحًا.

والقول بتحريم الأخذ من اللحية قول شاذ، لا أعلم أحدًا من السلف قال به، فهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم، يحكى عن غالبهم كما في أثر جابر وعطاء بن أبي رباح، ومن فعل ابن عمر، ولم ينقل إنكار الصحابة رضوان الله عليهم.

أيظن بالصحابة أنهم يجهلون الأمر بإعفاء اللحية الذي يعرفه عوام المسلمين في بلادنا، خاصة وفيهم ممن روى أحاديث الإعفاء.

أو يظن بهم أنهم لا يعرفون مدلول كلمة (أعفوا) وهم أهل اللسان، وبلسانهم نزل القرآن، أو يظن أننا أشد غيرة من الصحابة، حيث ننكر على من أخذ من لحيته، وقصر في هذا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أنصح الناس.

وهؤلاء أئمة التابعين، عطاء في مكة، والقاسم في المدينة، وقتادة، والحسن وابن سيرين في البصرة (١)، والشعبي (٢)، وإبراهيم النخعي في الكوفة (٣)، وطاوس في اليمن، وغيرهم من أئمة الفقه والدين يرون جواز الأخذ من اللحية، فهذه بلاد المسلمين في زمن التابعين لا تكاد ترى بلدًا إلا وفيه من العلماء من يذهب إلى جواز


(١) سبق لي أن نقلت عنهم نصوصهم فيما سبق.
(٢) المجموع (١/ ٣٤٢).
(٣) مصنف ابن أبي شيبة (٥/ ٢٢٥) رقم ٢٥٤٨٢ قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن منصور، قال: كان إبراهيم يأخذ من عارض لحيته. وسنده على شرط الشيخين.
وروى ابن عبد البر في التمهيد (٢٤/ ١٤٦) قال: وروى الثوري، عن منصور، عن عطاء، أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة. قال منصور: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: كانوا يأخذون من جوانب اللحية. وانظر الفتح (١٠/ ٣٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>