للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأخذ من اللحية، ولا يعلم لهم مخالف، أيظن بهم أنهم قد ظلوا في هذه المسألة؟ قد ضللت إذًا، وما أنا من المهتدين.

وهؤلاء الأئمة الأربعة يذهبون إلى جواز الأخذ منها وأضيق المذاهب مذهب الشافعي رضي الله عنه فإنه قيد استحباب الأخذ في النسك، وإذا كان الأخذ منها في النسك لا ينافي الإعفاء، فكذلك الأخذ منها في غير النسك (١).


(١) وقولي: إن الأئمة يرون جواز الأخذ هذا في الجملة، بل منهم من استحبه، ومنهم من أوجبه، ومنهم من أباحه، وإليك النقول:
فالحنفية لهم قولان: أحدهما: وجوب الأخذ من اللحية، انظر الدر المختار (٢/ ٤٤)،
والثاني: أن الأخذ منها من السنة، وهذا أعلى من المستحب عندهم، فليس الأخذ عندهم مباحًا فقط.
قال في البحر الرائق (٣/ ١٢): «قال أصحابنا: الإعفاء تركها حتى تكث وتكثر، والقص سنة فيها، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد منها على قبضة قطعها، كذلك ذكر محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة، قال: وبه نأخذ». اهـ ونقل نحوه في الفتاوى الهندية. (٥/ ٣٥٨). وانظر حاشية ابن عابدين (٦/ ٤٠٧).
وأما مذهب الإمام مالك، فقد جاء في المدونة (١/ ٤٣٠): «قلت لابن القاسم: هل كان مالك يوجب على المحرم إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره؟ قال: لم يكن يوجبه، ولكن كان يستحب إذا حلق أن يقلم، وأن يأخذ من شاربه ولحيته، وذكر مالك أن ابن عمر كان يفعله».
واستحباب مالك الأخذ منها ليس مقيدًا في النسك، ومع أنه يستحب الأخذ منها، فهو يكره أن تطول جدًّا، وإليك النقول في ذلك:
قال الباجي في المنتقى (٧/ ٢٦٦): «روى ابن القاسم عن مالك لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية. قيل لمالك: فإذا طالت جدًّا. قال: أرى أن يؤخذ منها، وتقص». اهـ
وقول الإمام مالك: «لا بأس» لا يعني التخيير، فقد جاء في الفواكه الدواني (٢/ ٣٠٧): «وحكم الأخذ الندب، (فلا بأس) هنا هو خير من غيره، والمعروف لا حد للمأخوذ، وينبغي الاقتصار على ما تحسن به الهيئة».
وقال القرطبي في المفهم (١/ ٥١٢): «لا يجوز حلق اللحية، ولا نتفها، ولا قص الكثير منها، فأما أخذ ما تطاير منها، وما يشوه ويدعو إلى الشهرة طولًا وعرضًا فحسن عند مالك وغيره من السلف». =

<<  <  ج: ص:  >  >>