للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأخذ من اللحية، ومستشهدًا بأن قتادة كان يكره الأخذ من اللحية، وأن الكراهة في لغة السلف تعني التحريم، لا غير.

ولي وقفة مع هذا الفهم:

القول الأول: ننقل النص عن قتادة، ثم نتبين هل يصح حمل الكراهة على التحريم، أو لا يصح.

قال الغزالي في الإحياء: «وقد اختلفوا فيما طال منها فقيل: إن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس فقد فعله ابن عمر وجماعة من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة وقالا: تركها عافية أحب» (١).

فقول الحسن وقتادة: (تركها عافية أحب)، قد ذكرت قبل أن كلمة (أحب) صيغة لا تعني التحريم لا في اللغة، ولا في الشرع، ولا في لغة السلف، ولا في لغة الفقهاء، وهي قرينة على أن ما حكي عن قتادة من الكراهة فهي على بابها، وليس مقصوده التحريم. فـ (أحب) أفعل تفضيل ومعناه تركها أحب من القص منها، وهو دليل على الكراهة.

ثانيًا: قد نقل ابن عبد البر والطبري عن قتادة أنه كان يكره أن يأخذ من لحيته إلا في حج أو عمرة (٢)، واستثناء النسك من الكراهة دليل على أن الكراهة على بابها؛ لأن النسك لايبيح ما كان محرمًا لذاته، خاصة أن اللحية لا تعلق لها بالنسك.

ثالثًا: أن من حكى الخلاف من الفقهاء لم ينقل عنه القول بالتحريم، فالشافعية كانوا يكرهون الأخذ منها إلا في النسك، وهو نفس قول قتادة، والكراهة عندهم على بابها؛ لأن المعتمد في المذهب كراهة الحلق، وهو اختيار النووي والرافعي وجماعة.

رابعًا: على التسليم بأن قتادة روي عنه الكراهة وأن هذا ثابت عنه، فإن الكراهة في لغة الشارع لفظ مشترك بين التحريم والكراهة، قال صلى الله عليه وسلم: كان يكره النوم قبلها


(١) إحياء علوم الدين (١/ ١٤٣).
(٢) التمهيد (٢٤/ ١٤٦)، ونقل ذلك الطبري عن قتادة كما في شرح البخاري لابن بطال (٩/ ١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>