للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= بالمسح حسًا، ولا غرض في استيعابه قصدًا، وتقول: مسحت رأس اليتيم لأجل الرأفة، فيجزئ منه أقله بحصول الغرض به، وتقول: مسحت الدابة فلا يجزئ إلا جميعها؛ لأجل مقصد النظافة فيها، فتعلق الوظيفة بالرأس يقتضي عمومه بقصد التطهير فيه؛ ولأن مطلق اللفظ يقتضيه؛ ألا ترى أنك تقول: مسحت رأسي كله فتؤكده، ولو كان يقتضي البعض لما تأكد بالكل؛ فإن التأكيد لرفع الاحتمال المتطرق إلى الظاهر في إطلاق اللفظ.
ومطلع من قال: إن ترك اليسير من غير قصد أجزأه: أن تحقق عموم الوجه بالغسل ممكن بالحس، وتحقق عموم المسح غير ممكن؛ فسومح بترك اليسير منه دفعًا للحرج، وهذا لا يصح؛ فإن مرور اليد على الجميع ممكن تحصيله حسا وعادة.
ومطلع من قال: إن ترك الثلث من غير قصد أجزأه: قريب مما قبله، إلا أنه رأى الثلث يسيرًا، فجعله في حد المتروك، لما رأى الشريعة سامحت به في الثلث وغيره.
ومطلع من قال: إن مسح ثلثه أجزأه: إلى أن الشرع قد أطلق اسم الكثير على الثلث في قوله من حديث سعد: «الثلث والثلث كثير».
ولحظ مطلع أبي حنيفة في الناصية حسبما جاء في الحديث، ودل عليه ظاهر القرآن في تعلق العبادات بالظاهر، ومطلع قول أشهب في أن من مسح مقدمه أجزأه إلى نحو من ذلك تناصف ليس يخفى على اللبيب عند اطلاعه على هذه الأقوال، والأنحاء المطلعات أن القوم لم يخرج اجتهادهم عن سبيل الدلالات في مقصود الشريعة، ولا جاوزوا طرفيها إلى الإفراط؛ فإن للشريعة طرفين: أحدهما: طرف التخفيف في التكليف. والآخر: طرف الاحتياط في العبادات. فمن احتاط استوفى الكل، ومن خفف أخذ بالبعض، قلنا: في إيجاب الكل ترجيح من ثلاثة أوجه: أحدهما: الاحتياط. الثاني: التنظير بالوجه، لا من طريق القياس؛ بل من مطلق اللفظ في ذكر الفعل وهو الغسل أو المسح، وذكر المحل؛ وهو الوجه أو الرأس. الثالث: أن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح رأسه كله. فإن قيل: فقد ثبت أنه مسح ناصيته وعمامته، وهذا نص على البعض؟ قلنا: بل هو نص على الجميع؛ لأنه لو لم يلزم الجميع لم يجمع بين العمامة والرأس، فلما مسح بيده على ما أدرك من رأسه وأمر يده على الحائل بينه وبين باقيه أجراه مجرى الحائل من جبيرة أو خف، ونقل الفرض إليه كما نقله في هذين. جواب آخر: وهو أن هذا الخبر حكاية حال وقضية في عين؛ فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مزكومًا، فلم يمكنه كشف رأسه؛ فمسح البعض ومر بيده على جميع البعض، فانتهى آخر الكف إلى آخر الناصية، فأمر اليد على العمامة، فظن الراوي أنه قصد مسح العمامة، وإنما قصد مسح الناصية بإمرار اليد؛ وهذا مما يعرف مشاهدة، ولهذا لم يرو عنه قط شيء من ذلك في أطواره بأسفاره على كثرتها. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>