(وإنْ خرجَ أهل الذمةِ لم يُمنعوا، وأُمروا أن يكونوا منفردينَ عن المسلمين).
إِنْ خَرَجُوا لَمْ يُمْنَعُوا:
لِأَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ أَرْزَاقَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ، فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجِيبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ فِي الدُّنْيَا، كَمَا ضَمِنَ أَرْزَاقَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَيُؤْمَرُوا بِالِانْفِرَادِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ في المكان:
لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ، فَيَعُمَّ مَنْ حَضَرَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَ عَادٍ اسْتَسْقَوْا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا، فَأَهْلَكَتْهُمْ.
لكن لو طلبوا الانفراد بيوم فإنهم يمنعون.
لئلا يتفق نزول الغيث يوم خروجهم وحدهم فيكون أعظم لفتنتهم، وربما افتتن غيرهم بهم.
(ويُنادَى: الصلاة جامعة).
أي: ينادى لصلاة الاستسقاء إذا حان وقتها: الصلاة جامعة.
والراجح أنه لا ينادى لها بذلك، لأنه لم ينقل.
وقياسها على الكسوف قياس ضعيف، وقد تقدم ذلك في باب صلاة العيد.
(ويسن أن يقفَ في أولِ المطرِ، ويحسر عن ثوبه ليصيبه المطر).
أي: يسن عند نزول المطر أن يحسر عن ثوبه ليخرج بعض جسده ليصيبه المطر.
عن أَنَس قال (أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَطَرٌ قَالَ فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا قَالَ «لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى) رواه مسلم.
قال النووي: معنَى (حَسِرَ) كَشَفَ أَيْ كَشَفَ بَعْض بَدَنه، وَمَعْنَى (حَدِيث عَهْد بِرَبِّهِ) أَيْ بِتَكْوِينِ رَبّه إِيَّاهُ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَطَر رَحْمَة، وَهِيَ قَرِيبَة الْعَهْد بِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى لَهَا فَيَتَبَرَّك بِهَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِقَوْلِ أَصْحَابنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ عِنْد أَوَّل الْمَطَر أَنْ يَكْشِف غَيْر عَوْرَته لِيَنَالَهُ الْمَطَر، وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا وَفِيهِ أَنَّ الْمَفْضُول إِذَا رَأَى مِنْ الْفَاضِل شَيْئًا لَا يَعْرِفهُ أَنْ يَسْأَلهُ عَنْهُ لِيُعَلِّمهُ فَيَعْمَل بِهِ وَيُعَلِّمهُ غَيْره. (شرح مسلم).
وقال ابن قدامة: ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ، وَيُخْرِجَ رَحْلَهُ؛ لِيُصِيبَهُ الْمَطَرُ.
لِمَا رَوَى أَنَس (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْنَا الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَنْ لِحْيَتِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.