أما عائشة، فقد روى البيهقي عن عروة عن عائشة (أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها: لو صليت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أختي، إنه لا يشق عليّ) وسنده صحيح.
قال الحافظ: وهو دال على أنها تأولت أن القصر رخصة، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل.
فقيل: أن الأعراب قد حجوا في تلك السنة، فأراد أن يعلمهم أن فرض الصلاة أربع، لئلا يتوهموا أنها ركعتان في الحضر والسفر.
ورد هذا: بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكانوا حديثي عهد بالإسلام، والعهد بالصلاة قريب، ومع هذا فلم يُرَبِّع بهم النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقيل: إنه كان إماماً للناس، والإمام حيث نزل فهو عمله ومحل ولايته.
ورد هذا: بأن إمام الخلائق على الإطلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان هو أولى بذلك ولم يربّع.
وقيل: إنه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنى، واتخاذها داراً للخلافة.
وهذا التأويل أيضاً مما لا يقوى، فإن عثمانَ -رضي الله عنه- من المهاجرين الأولين، وقد مَنع -صلى الله عليه وسلم- المهاجرين من الإِقامة بمكة بعد نسكهم، ورخَّص لهم فيها ثلاثة أيام فقط، فلم يكن عُثمانُ لِيقيم بها، وقد منع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من ذلك، وإنما رخَص فيها ثلاثاً وذلك لأنهم تركوها للّه، وما تُرِكَ للّه، فإنه لا يُعاد فيه، ولا يُسترجع.