(أَوْ بَالَغَ فَدَخَلَ المَاءُ حَلْقَهُ لَمْ يَفْسُدْ).
أي: إذا بالغ الصائم في الاستنشاق - مع أنه مكروه للصائم - فإنه لا يفطر لعدم القصد.
صائم منهي عن المبالغة في الاستنشاق.
لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للَقِيطِ بْنِ صَبِرَة رضي الله عنه (أَسْبِغْ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) رواه أبو داود.
والحديث يدل على تجنب المبالغة في الاستنشاق حال الصوم حتى لا ينزل الماء إلى جوف الصائم من غير اختياره.
فلو تمضمض الصائم أو استنشق فنزل شيء من الماء إلى حلقه من غير قصدٍ منه فإنه لا يفطر.
لقول الله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).
وهذا لم يتعمد قلبه فعل المفسد، فيكون صومه صحيحاً.
(وَمَنْ أَكَلَ شَاكّاً فِي طُلُوع الفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهُ).
أي: من أكل أو شرب أو جامع شاكاً في طلوع الفجر [هل طلع الفجر أم لا فأكل] صح صومه.
قال ابن قدامة: وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْأَمْرَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَلَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَ الْفَجْرِ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْي.
وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
أ-لقول اللَّهِ تَعَالَى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ).
مَدَّ الْأَكْلَ إلَى غَايَةِ التَّبَيُّنِ، وَقَدْ يَكُونُ شَاكًّا قَبْلَ التَّبَيُّنِ، فَلَوْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لَحَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ، وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- (فَكُلُوا، وَاشْرَبُوا، حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْت أَصْبَحْت.
ب- وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، فَيَكُونُ زَمَانُ الشَّكِّ مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ يَقِينُ زَوَالِهِ، بِخِلَافِ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ، فَبَنَى عَلَيْهِ. (المغني).