(ومن سها مراراً كفاه سجدتان).
كأن يترك قول (سُبحان رَبِّيَ العظيم) في الرُّكوع، ويترك التشهُّدَ الأول، ويترك قول (سبحان رَبِّيَ الأعلى) في السُّجود.
فهذه ثلاثة أسباب يُوجب كلُّ واحد منها سجود السَّهو فيكفي سجدتان.
لأن الواجب هنا من جنس واحد، فدخل بعضُه في بعضٍ، كما لو أحدث ببول، وغائط، وريح، وأكل لحم إبل، فإنه يكفيه وُضوء واحد.
قال ابن قدامة: إذَا سَهَا سَهْوَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ جِنْسٍ، كَفَاهُ سَجْدَتَانِ لِلْجَمِيعِ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ السَّهْوُ مِنْ جِنْسَيْنِ، فَكَذَلِكَ.
حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَوْلًا لِأَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
لقَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) وَهَذَا يَتَنَاوَلُ السَّهْوَ فِي مَوْضِعَيْنِ.
ولِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- سَهَا فَسَلَّمَ، وَتَكَلَّمَ بَعْدَ صَلَاتِهِ فَسَجَدَ لَهُمَا سُجُودًا وَاحِدًا.
وَلِأَنَّ السُّجُودَ أُخِّرَ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، لِيَجْمَعَ السَّهْوَ كُلَّهُ وَإِلَّا فَعَلَهُ عَقِيبَ سَبَبِهِ.
وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْجَبْرِ فَجَبَرَ نَقْصَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَثُرَ، بِدَلِيلِ السَّهْوِ مَرَّاتٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا انْجَبَرَتْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى جَابِرٍ آخَرَ فَنَقُولُ: سَهْوَانِ، فَأَجْزَأَ عَنْهُمَا سُجُودٌ وَاحِدٌ، كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا:
فَإِنَّ مَعْنَى الْجِنْسَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ، وَالْآخَرُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَحِلَّيْهِمَا مُخْتَلِفَانِ، وَكَذَلِكَ سَبَبَاهُمَا وَأَحْكَامُهُمَا.
فَعَلَى هَذَا إذَا اجْتَمَعَا، سَجَدَ لَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ وَآكَدُ، وَلِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ السَّلَامِ قَدْ وَجَبَ لِوُجُوبِ سَبَبِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ مَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ، فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَهْوٌ آخَرُ، وَإِذَا سَجَدَ لَهُ، سَقَطَ الثَّانِي؛ لِإِغْنَاءِ الْأَوَّلِ عَنْهُ، وَقِيَامِهِ مَقَامَه. … (المغني).