فائدة: ١
وهناك حالات أخرى يجوز فيها قتلهم:
في حال التبييت والغارات الحربية إذا احتيج إليه، لعدم القدرة على التمييز بينهم وبين غيرهم من المقاتلين.
لحديث الصعب بن جَثّامة السابق قال (سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الذراري من المشركين يُبَيَّتون، فيصيبون من نسائهم وذراريهم، فقال: هم منهم).
قوله (هم منهم) أي في الحكم في تلك الحالة، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم.
ومعنى البيات المراد في الحديث: أن يغار على الكفار بالليل بحيث لا يميز بين أفرادهم. [قاله الحافظ ابن حجر].
وقال النووي: أَمَّا الْحَدِيث السَّابِق فِي النَّهْي عَنْ قَتْل النِّسَاء وَالصِّبْيَان، فَالْمُرَاد بِهِ إِذَا تَمَيَّزُوا، وَهَذَا الْحَدِيث الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَاز بَيَاتهمْ وَقَتْل النِّسَاء وَالصِّبْيَان فِي الْبَيَات، هُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَالْجُمْهُور.
وَمَعْنَى (الْبَيَات، وَيَبِيتُونَ) أَنْ يُغَار عَلَيْهِمْ بِاللَّيْلِ بِحَيْثُ لَا يُعْرَف الرَّجُل مِنْ الْمَرْأَة وَالصَّبِيّ.
وَأَمَّا (الذَّرَارِيّ) فَبِتَشْدِيدِ الْيَاء وَتَخْفِيفهَا لُغَتَانِ، التَّشْدِيد أَفْصَح وَأَشْهَر، وَالْمُرَاد بِالذَّرَارِيِّ هُنَا النِّسَاء الصِّبْيَان.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلِيل لِجَوَازِ الْبَيَات، وَجَوَاز الْإِغَارَة عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَة مِنْ غَيْر إِعْلَامهمْ بِذَلِك.
وفي حالة: إذا تترس بهم العدو واتخذوهم دروعاً بشرية، بحيث لا يقدر المسلمون على مهاجمتهم إلا بقتل هؤلاء المُتترس بهم
قال ابن قدامة: إِنْ تَتَرَّسُوا فِي الْحَرْبِ بِنِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ، جَازَ رَمْيُهُمْ، وَيَقْصِدُ الْمُقَاتِلَةَ.
لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَمَاهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَمَعَهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ.
وَلِأَنَّ كَفَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ، لِأَنَّهُمْ مَتَى عَلِمُوا ذَلِكَ تَتَرَّسُوا بِهِمْ عِنْدَ خَوْفِهِمْ فَيَنْقَطِعُ الْجِهَادُ.
وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْحَرْبُ مُلْتَحِمَةً أَوْ غَيْرَ مُلْتَحِمَةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَكُنْ يَتَحَيَّنُ بِالرَّمْيِ حَالَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ.