قال ابن رجب رحمه الله: وهؤلاء جمعوا بين هذه الأحاديث، وبين حديث أبي هريرة (لا فَرَع ولا عتيرة) بأنَّ المنهي عنه هو: ما كان يَفعله أهل الجاهليَّة من الذَّبح لغير الله، وحمله سفيان بن عُيينة على أنَّ المراد به نفي الوجوب. (اللطائف).
قال الشيخ مشهور بن حسن: والعتيرةُ: الذَّبيحة في رجَب، وهذه الذَّبيحة قال أهلُ العلم: منسوخة، والرَّاجح نسخ الوجوب فقط وليس نسخ الأصل، فمِن السُّنَّة أنَّ كل أهل بيت يَذبحون ذبيحةً في رجب، وهذه سُنَّة مهجورة.
[القول الثاني: أنها لا تستحب ولا تكره.]
وقال بهذا القول بعض الشافعية، كما حكاه النووي عنهم في "المجموع".
القول الثالث: أنها مكروهة، لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها، وقال بعضهم: هي حرام باطلة.
وقالوا: أحاديث الترخيص فيها والأمر بها كانت في أول الأمر، ثم نسخت بنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها.
نقل النووي في (شرح مسلم) عن القاضي عياض قوله: إن الأمر بالعتيرة منسوخ عند جماهير العلماء.
واستدلوا على تحرمها بـ:
أ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (لا فَرَعَ وَلا عَتِيرَة) متفق عليه.
والفرع هو أول ولدٍ للناقة كانوا يذبحونه لأصنامهم.
ب- أن العتيرة من شأن أهل الجاهلية، ولا يجوز التشبه بهم في عباداتهم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (من تشبه بقوم فهو منهم).
وقال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر بعض الأحاديث الدالة على مشروعية العتيرة:
وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر - بعد أن ذكر بعض الأحاديث في العتيرة - قال: وَقَدْ كَانَتْ الْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَفَعَلَهُ بَعْض أَهْل الإِسْلام، فَأَمَرَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- بِهِمَا ثُمَّ نَهَى عَنْهُمَا رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ:(لا فَرَع وَلا عَتِيرَة) فَانْتَهَى النَّاس عَنْهُمَا لِنَهْيِهِ إِيَّاهُمْ عَنْهُمَا، وَمَعْلُوم أَنَّ النَّهْي لا يَكُون إِلا عَنْ شَيْء قَدْ كَانَ يُفْعَل، وَلا نَعْلَم أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَقُول: إِنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ نَهَاهُمْ عَنْهُمَا ثُمَّ أَذِنَ فِيهِمَا، وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْفِعْل كَانَ قَبْل النَّهْي قَوْله فِي حَدِيث نُبَيْشَة:(إِنَّا كُنَّا نَعْتِر عَتِيرَة فِي الْجَاهِلِيَّة، وَإِنَّا كُنَّا نُفْرِع فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّة) وَفِي إِجْمَاع عَوَامّ عُلَمَاء الأَمْصَار عَلَى عَدَم اِسْتِعْمَالهمْ ذَلِكَ وُقُوف عَنْ الأَمْر بِهِمَا، مَعَ ثُبُوت النَّهْي عَنْ ذَلِكَ بَيَان لِمَا قُلْنَا. انتهى.