قال القرطبي: جَعَل للقتال غاية، وهي إعطاء الجزية بدلاً عن القتل.
وقال ابن قدامة: جعل إعطاء الجزية غاية لقتالهم، فمتى بذلوها لم يجُز قتالهم.
ج- وجاء في صحيح البخاري. أن المغيرة بن شعبة قال لعامل كسرى بين يدي معركة نهاوند في بلاد فارس ( … فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم- عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُم).
فهذا الحديث ينص على الأمر بقتال الكفار إلى أن يصيروا إلى أحد أمرين: إما عبادة الله وحده، أي: الدخول في الإسلام، وإما أن يؤدوا الجزية.
قال ابن قدامة: إذا بذلوا الجزية لزم قبولها، وحرم قتالهم.
(وتؤخذُ منهم مُمْتهنين مُصغّرين).
أي: عند أخذ الجزية من الكفار، فإنهم يهانون ولا يكرمون
لقوله تعالى (حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).
واختلف العلماء في معنى (عن يدٍ وهم صاغرون).
قال ابن عثيمين: قوله تعالى (عَنْ يَدٍ).
قيل: معناها أن يعطوكم الجزية يداً بيد، بمعنى أن الواحد منهم يأتي ويسلم الجزية بيده لا يعطيها خادمه، ويقول له: اذهب بها إلى السلطان أو نائب السلطان، لا، هو بنفسه يأتي بها؛ لأن هذا أذل له مما لو أرسل بها خادمه.
وقيل: (عن يد) أي عن قوة منكم عليهم، بمعنى أننا نظهر أننا أقوياء أمامهم حتى يذلوا؛ لأنه كلما قوي الإنسان على عدوه ازداد العدو ذلًّا.
والآية تصلح للمعنيين جميعاً، فهي بمعنى أن الواحد منهم يأتي بها ويسلمها بيده، وأن نريه القوة والبأس حتى يكون ذلك أذل له.
وقوله تعالى (وهم صاغرون).