[القول الثالث: ثبوت الشفعة للجار عند الاشتراك في حق من حقوق الارتفاق.]
وهذا اختيار ابن تيمية، وابن القيم.
أ-لحديث جابر قال: قال -صلى الله عليه وسلم- (اَلْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ، يُنْتَظَرُ بِهَا -وَإِنْ كَانَ غَائِبًا- إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
فهذا الحديث أثبت الشفعة للجار إذا كان الطريق مشتركاً بينهما.
ب- أن المشاركة في الحقوق كالمشاركة في الملك، من حيث كثرة المخالطة ووجود الضرر بين الشركاء، والشفعة إنما شرعت لرفع الضرر.
وهذا القول هو الصحيح.
وأما الجواب عن حديث جابر (فَإِذَا وَقَعَتِ اَلْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ اَلطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ):
أولاً: أن قوله (فإذا وقعت … ) مدرجة من قول جابر.
ورد ذلك بأن الأصل، أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج.
ثانياً: قالوا: إن ذكر الحكم لبعض أفراد العموم لا يقتضي التخصيص، بمعنى: إذا جاء عموم ثم فرع عليه بذكر حكم يختص ببعض أفراده فإنه لا يقتضي التخصيص.
(ومنها: أن يكون مما ينقسم، فأما ما لا ينقسم فلا شفعة فيه).
أي: أن تكون الشفعة في شيء يمكن قسمته كأرض، ودار واسعة.
لحديث جابر السابق ( .. في كل ما لم يقسم).
فأما ما لا ينقسم كبئر، ودار صغيرة، ودكان صغير، فلا شفعة فيه.
واختار ابن تيمية أن الشفعة تثبت فيما لا ينقسم، لعموم الدليل، فإنه صريح في عموم الشفعة في كل عقار لم يقسم، سواء أمكنت قسمته أم لا، ولأن الشفعة شرعت لدفع الضرر، والضرر في هذا النوع أكثر.