للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الرازي: وإنما قلنا: إن الابتداء بالغزو من المواضع القريبة أولى لوجوه:

الأول: أن مقابلة الكل دفعة واحدة متعذرة، ولما تساوى الكل في وجوب القتال لما فيهم من الكفر والمحاربة وامتنع الجمع، وجب الترجيح، والقرب مرجح ظاهر كما في الدعوة، وكما في سائر المهمات، ألا ترى أن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الابتداء بالحاضر أولى من الذهاب إلى البلاد البعيدة لهذا المهم، فوجب الابتداء بالأقرب.

والثاني: أن الابتداء بالأقرب أولى لأن النفقات فيه أقل، والحاجة إلى الدواب والآلات والأدوات أقل.

الثالث: أن الفرقة المجاهدة إذا تجاوزوا من الأقرب إلى الأبعد فقد عرضوا الذراري للفتنة.

الرابع: أن المجاورين لدار الإسلام إما أن يكونوا أقوياء أو ضعفاء، فإن كانوا أقوياء كان تعرضهم لدار الإسلام أشد وأكثر من تعرض الكفار المتباعدين، والشر الأقوى الأكثر أولى بالدفع، وإن كانوا ضعفاء كان استيلاء المسلمين عليهم أسهل، وحصول عز الإسلام لسبب انكسارهم أقرب وأيسر، فكان الابتداء بهم أولى.

الخامس: أن وقوف الإنسان على حال من يقرب منه أسهل من وقوفه على حال من يبعد منه، وإذا كان كذلك كان اقتدار المسلمين على مقاتلة الأقربين أسهل لعلمهم بكيفية أحوالهم وبمقادير أسلحتهم وعدد عساكرهم.

السادس: أن دار الإسلام واسعة، فإذا اشتغل أهل كل بلد بقتال من يقرب منهم من الكفار كانت المؤنة أسهل، وحصول المقصود أيسر.

(وَلَا يُسْتَعَانُ بِمُشْرِكٍ إلا عندَ الحاجةِ إليه).

أي: لا يستعان بالمشركين على المشركين.

وهذه المسألة وقع فيها خلاف بين العلماء:

فمن العلماء من منع من ذلك.

أ- لحديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جِئْتُ لأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ».

<<  <  ج: ص:  >  >>