فإن قيل: فكيف لعنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قلنا: إنما لعنه إذا رجع إليها بذلك التحليل؛ لأنها لم تحل له، فكان زانياً، فاستحق اللعنة لذلك.
[القول الثاني: أن النية المعتبرة هي نية المرأة أو وليها أو الزوج الناكح.]
وبه قال الحسن البصري، وسعيد بن المسيب.
[القول الثالث: أن النية المعتبرة هي نية الزوج المحلل والزوجة المحللة فقط.]
ومال إلى هذا ابن تيمية.
لأن فعلها ذلك تحايل على ما حرمه الشرع، فإن الشرع منعها من الرجوع إلى الأول حتى يحصل النكاح الثاني المبني على الرغبة والتأبيد، لا النكاح المؤقت التي يتوصل به إلى الرجوع للزوج الأول، ولما في عملها هذا من غش الزوج الثاني وخداعه، وإلحاق الضرر به غالباً، فإنها قد لا تتوصل إلى الخلاص منه إلا بتنغيص عيشه والإساءة إليه حتى يطلقها أو يخلعها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقال الحسن والنخعي وغيرهما: إذا همّ أحد الثلاثة فهو نكاح محلل، ويروى ذلك عن ابن المسيب. ولفظ إبراهيم النخعي: إذا كانت نية أحد الثلاثة: (الزوج الأول، أو الزوج الثاني، أو المرأة) أنه محلل فنكاح هذا الأخير باطل، ولا تحل للأول.
ووجه هذا: أن المرأة إذا نكحت الرجل وليست هي راغبة فيه فليست هي ناكحة كما تقدم، بل هي مستهزئة بآيات الله متلاعبة بحدود الله، وهي خادعة للرجل ماكرة به، وهي إن لم تملك الانفراد بالفرقة فإنها تنوي التسبب فيها على وجه تحصل به غالباً بأن تنوي الاختلاع منه وإظهار الزهد فيه وكراهته وبغضه، وذلك مما يبعثه على خلعها أو طلاقها، ويقتضيه في الغالب، ثم إن انضم إلى ذلك أن تنوي النشوز عنه، وفعل ما يكره لها، وترك ما ينبغي لها، فهذا أمر محرم وهو موجب للفرقة في العادة، فأشبه ما لو نوت ما يوجب الفرقة شرعاً، وإن لم تنو فعل محرم ولا ترك واجب، فهي ليست مريدة له، ومثل هذه في مظنة أن لا تقيم حدود الله معه، ولا يلتئم مقصود النكاح بينهما، فيفضي إلى الفرقة غالباً.