فجُعل عَلماً على براءة الرحم، فدل على أنه لا يجتمع معه.
قال ابن قدامة: وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ، إلَّا أَنْ تَرَاهُ قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِيَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ دَمَ نِفَاسٍ مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ، وَمَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ؛ مِنْهُمْ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَكْحُولٌ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالصَّحِيحُ عَنْهَا أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ لَا تُصَلِّي.
أ- وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ) فَجَعَلَ وُجُودَ الْحَيْضِ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ.
ب- وَاحْتَجَّ إمَامُنَا بِحَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا) فَجَعَلَ الْحَمْلَ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ، كَمَا جَعَلَ الطُّهْرَ عَلَمًا عَلَيْهِ.
ج- وَلِأَنَّهُ زَمَنٌ لَا يَعْتَادُهَا الْحَيْضُ فِيهِ غَالِبًا، فَلَمْ يَكُنْ مَا تَرَاهُ فِيهِ حَيْضًا كَالْآيِسَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا يَعْرِفُ النِّسَاءُ الْحَمْلَ بِانْقِطَاعِ الدَّم. … (المغني).
(وأقله يومٌ وليلة، وأكثره خمسةَ عشر يوماً).
لأن الشرع علق على الحيض أحكاماً ولم يبين قدره، فعلم أنه رده إلى العادة كالقبض والحرز، وقد وجد حيض معتاد يوماً ولم يوجد أقل منه. (المغني).
والدليل على أن أكثر: ١٥ يوماً:
أ- حديث ابن عمر. في قوله -صلى الله عليه وسلم- في النساء (ما رأيت من ناقصات عقل ودين … أما نقصان دينها، فتمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي).
وجه الدلالة: أن معنى الشطر النصف.
وهذا الحديث بهذا اللفظ - ذكر العلماء - أنه لا أصل له.
قال البيهقي: لم أجده في كتب الحديث.
ب- أن الحيض اسم لم ترد أكثر مدته في الشرع ولا في اللغة، فوجب الرجوع في ذلك إلى العرف والعادة، وقد ثبت مستفيضاً عن السلف من التابعين فمن بعدهم أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، وأنه كثر وجوده هذه المدة في النساء، حتى صار ذلك أمراً معروفاً معتاداً في النساء.