للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَثْبُت حُرْمَة الرَّضَاع بِرَضَاعِ الْبَالِغ كَمَا تَثْبُت بِرَضَاعِ الطِّفْل لِهَذَا الْحَدِيث. وَقَالَ سَائِر الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاء الْأَمْصَار إِلَى الْآن: لَا يَثْبُت إِلَّا بِإِرْضَاعِ مَنْ لَهُ دُون سَنَتَيْنِ، إِلَّا أَبَا حَنِيفَة فَقَالَ: سَنَتَيْنِ وَنِصْف، وَقَالَ زُفَر: ثَلَاث سِنِينَ وَعَنْ مَالِك رِوَايَة سَنَتَيْنِ وَأَيَّام.

وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَالْوَالِدَات يَرْضِعْنَ أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمّ الرَّضَاعَة) وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذَا " إِنَّمَا الرَّضَاعَة مِنْ الْمَجَاعَة " وَبِأَحَادِيث مَشْهُورَة وَحَمَلُوا حَدِيث سَهْلَة عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصّ بِهَا وَبِسَالِمٍ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِم عَنْ أُمّ سَلَمَة وَسَائِر أَزْوَاج رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُنَّ خَالَفْنَ عَائِشَة فِي هَذَا وَاَللَّه أَعْلَم.

(ولبن ميتةٍ كغيره، لا لبن بهيمة، ومن لم تحمل).

أي: أن لبن الميتة يُحرّم ويثبت به التحريم.

وهذا قول الجمهور.

لعموم الأدلة، فهي لم تفرق بين لبن من هي على قيد الحياة ومن فقدت الحياة.

قال ابن قدامة: وَلَنَا، أَنَّهُ وُجِدَ الِارْتِضَاعُ، عَلَى وَجْهٍ يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَيُنْشِزُ الْعَظْمَ مِنْ امْرَأَةٍ، فَأَثْبَتِ التَّحْرِيمَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً.

وَلِأَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَ شُرْبِهِ فِي حَيَاتِهَا وَمَوْتِهَا إلَّا الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ أَوْ النَّجَاسَةُ، وَهَذَا لَا أَثَرَ لَهُ، فَإِنَّ اللَّبَنَ لَا يَمُوتُ، وَالنَّجَاسَةُ لَا تَمْنَعُ، كَمَا لَوْ حُلِبَ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ حُلِبَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا، فَشَرِبَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، لَنَشَرَ الْحُرْمَةَ، وَبَقَاؤُهُ فِي ثَدْيِهَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ ثَدْيَهَا لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِنَاءِ فِي عَدَمِ الْحَيَاةِ، وَهِيَ لَا تَزِيدُ عَلَى عَظْمِ الْمَيْتَةِ فِي ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ. (المغني).

<<  <  ج: ص:  >  >>