للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن قدامة: وَفِعْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حُجَّةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا خَالَفَ فِعْلَ النَّبِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَتُحْمَلُ الزِّيَادَةُ مِنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّهَا تَعْزِيرٌ، يَجُوزُ فِعْلُهَا إذَا رَآهُ الْإِمَامُ.

قال أصحاب هذا القول: فيحمل ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه هو الحد الشرعي، وما ثبت عن الصحابة على أنه زيادة تعزيرية تفعل عند الحاجة والمصلحة ولهذا قال علي (جلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي).

قال ابن القيم: ومن تأمل الأحاديث رآها تدل على أن الأربعين حد، والأربعون الزائدة عليها تعزير، وقد اتفق عليه الصحابة.

وذهب بعض العلماء: إلى أن الخمر لا حد فيها، وإنما فيها التعزير.

قال الحافظ ابن حجر: إن الطبري وابن المنذر حكوا عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها، وإنما فيها التعزير.

واستدلوا بأحاديث الباب؛ فإنها ساكتة عن تعيين عدد الضرب وأصرحها حديث أنس، ولم يجزم فيه بالأربعين في أرجح الطرق عنه.

وورد أنه لم يضربه أصلاً وذلك فيما أخرجه أبو داود والنسائي بسند قوي عن ابن عباس (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يوقت في الخمر حدا). (الفتح).

وقال علي (إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يَسُنّ فيه - أي الخمر - شيئاً) رواه مسلم.

[فائدة: ١]

سبب استشارة عمر الناس: جاء في رواية عند مسلم (فَلَمَّا كَانَ عُمَر وَدَنَا النَّاس مِنْ الرِّيف وَالْقُرَى).

قال النووي: الرِّيف: الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا الْمِيَاه، أَوْ هِيَ قَرِيبَة مِنْهَا، وَمَعْنَاهُ: لَمَّا كَانَ زَمَن عُمَر بْن الْخَطَّاب -رضي الله عنه- وَفُتِحَتْ الشَّام وَالْعِرَاق وَسَكَنَ النَّاس فِي الرِّيف وَمَوَاضِع الْخِصْب وَسَعَة الْعَيْش وَكَثْرَة الْأَعْنَاب وَالثِّمَار أَكْثَرُوا مِنْ شُرْب الْخَمْر، فَزَادَ عُمَر فِي حَدّ الْخَمْر تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ وَزَجْرًا لَهُمْ عَنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>