أي: إن أهدى المقترض هدية للمقرض فإن كانت بعد الوفاء فجائز.
وإن كانت قبل الوفاء فلا يجوز إلا أن تكون قد جرت العادة بينهما بمثل هذا، فكان بينهما تهاد قبل الاستقراض، لأن جريان العادة بذلك بينهما قرينة ظاهرة على أنه لم يرد مجازاته على قرضه.
وعلى هذا، فلا يجوز للمقترض أن يعد المقرض بأن يعطيه هدية عند الوفاء، وله أن يعطيه ذلك إذا كان بدون اتفاق سابق.
أما إذا كان هذا الشخص لم تجر العادة بأن يهدي لك فلا يجوز لك قبولها لأنها قد تكون بسبب القرض، فإذا قبلتها تكون قد وقعت في الربا لأن القاعدة في القرض أن "كل قرض جَرَّ نفعاً فهو ربا" وهذا القرض قد جر لك نفعاً.
وأيضاً: لأنه قد يكون دفعها إليك حتى تؤجل مطالبته بالدَّيْن، وهذا أيضاً من الربا.
وقد دل على ذلك ما رواه ابن ماجه عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى لَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلا يَرْكَبْهَا وَلا يَقْبَلْهُ، إِلا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ). حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية
وقد ورد هذا المعنى عن جماعة من الصحابة، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين"(٣/ ١٣٦): "وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِهِمْ (يعني الصحابة) كَأُبَيّ بن كعب وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ نَهَوْا الْمُقْرِضَ عَنْ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ، وَجَعَلُوا قَبُولَهَا رِباً.