فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب، وإلى الخبرة بالحروب، والخادعة فيها.
والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام.
والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألا يشتري بآياته ثمناً قليلاً، وترك خشية الناس.
وهذه الخصال الثلاث التي أخذها الله على كل من حكم على الناس، في قوله تعالى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة. فرجل علم الحق وقضى بخلافه، فهو في النار. لرجل قضى بين الناس على جهل، فهو في النار، ورجل علم الحق وقضى به، فهو في الجنة. رواه أهل السنن.
والقاضي اسم كل من قضى بين اثنين وحكم بينهما، سواء كان خليفة، أو سلطاناً، أو نائباً، أو والياً؛ أو كان منصوباً ليقضي بالشرع، أو نائباً له، حتى من يحكم بين الصبيان في الخطوط، إذا تخايروا. هكذا ذكر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
[فائدة: ٢]
وقال ابن تيمية: اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل.
ولهذا كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول (اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة).
فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها. فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والأخر أعظم قوة: قدم أنفعهما لتلك الولاية: وأقلهما ضرراً فيها.
فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع -وإن كان فيه فجور- على الرجل الضعيف العاجز، وإن كان أميناً.
كما سئل الإمام أحمد: عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو، وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يغزى؛ فقال: أما الفاجر القوي، فقوته للمسلمين، وفجوره على نفسه؛ وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين. فيغزى مع القوي الفاجر.