للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب بعض العلماء: إلى أن المرأة إذا تزوجت عالمة بإعساره أو كان موسراً ثم أصابته جائحة فإنه لا فسخ لها وإلا كان لها الفسخ وكأنه جعل علمها رضا بعسرته.

واختار هذا ابن القيم، فقال في زاد المعاد: وَاَلّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ الشّرِيعَةِ وَقَوَاعِدُهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنّ الرّجُلَ إذَا غَرّ الْمَرْأَةَ بِأَنّهُ ذُو مَالٍ فَتَزَوّجَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَظَهَرَ مُعْدِمًا لَا شَيْءَ لَهُ أَوْ كَانَ ذَا مَالٍ وَتَرَكَ الْإِنْفَاقَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَخْذِ كِفَايَتِهَا مِنْ مَالِهِ بِنَفْسِهَا وَلَا بِالْحَاكِمِ أَنّ لَهَا الْفَسْخَ وَإِنْ تَزَوّجَتْهُ عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ أَوْ كَانَ مُوسِرًا ثُمّ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَلَا فَسْخَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَلَمْ تَزَلْ النّاسُ تُصِيبُهُمْ الْفَاقَةُ بَعْدَ الْيَسَارِ وَلَمْ تَرْفَعْهُمْ أَزْوَاجُهُمْ إلَى الْحُكّامِ لِيُفَرّقُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنّ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

والراجح قول الجمهور.

(فَإِنْ مَنَعَهَا مَا يَجِبُ لَهَا، أَوْ بَعْضَهُ، وَقَدَرَتْ لَهُ عَلَى مَالٍ، أَخَذَتْ مِنْهُ مِقْدَارَ حَاجَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ).

أي: أَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَى امْرَأَتِهِ مَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، أَوْ دَفَعَ إلَيْهَا أَقَلَّ مِنْ كِفَايَتِهَا، فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ الْوَاجِبَ أَوْ تَمَامَهُ، بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ.

لحديث عَائِشَة قَالَتْ (دَخَلَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ -اِمْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ- عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مِنْ اَلنَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلِيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ? فَقَالَ: "خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ، وَيَكْفِي بَنِيكِ) متفق عليه.

قال ابن قدامة: وَهَذَا إذْنٌ لَهَا فِي الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَرَخَّصَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَهَا فِي أَخْذِ تَمَامِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ.

أ- لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا غِنَى عَنْهَا، وَلَا قَوَامَ إلَّا بِهَا، فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْهَا الزَّوْجُ وَلَمْ تَأْخُذْهَا، أَفْضَى إلَى ضَيَاعِهَا وَهَلَاكِهَا، فَرَخَّصَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَهَا فِي أَخْذِ قَدْرِ نَفَقَتِهَا، دَفْعًا لِحَاجَتِهَا.

ب- وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَتَشُقُّ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْحَاكِمِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِهَا فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ. (المغني).

<<  <  ج: ص:  >  >>