للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلأِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ مُعَاذًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُل حَالِمٍ دِينَارًا وَصَالَحَ أَهْل نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، النِّصْفُ فِي صَفَرٍ وَالْبَاقِي فِي رَجَبٍ.

وَجَعَل عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَصَالَحَ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى ضِعْفِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الزَّكَاةِ.

فَهَذَا الاِخْتِلَافُ يَدُل عَلَى أَنَّهَا إِلَى رَأْيِ الِإمَامِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَخْتَلِفَ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْل الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْل الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَال: جُعِل ذَلِكَ مِنْ أَجَل الْيَسَارِ.

وَلأِنَّ الْمَال الْمَأْخُوذَ عَلَى الأْمَانِ ضَرْبَانِ: هُدْنَةٌ وَجِزْيَةٌ، فَلَمَّا كَانَ الْمَأْخُوذُ هُدْنَةً إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَكَذَلِكَ الْمَأْخُوذُ جِزْيَةً.

(ويجوزُ شرطُ ضيافةِ المارِّ بهم من المسلمين).

أي: ويجوز أن يشترط الإمام على أهل الذمة ضيافة من يمر بهم من المسلمين.

أ- لما روى نافع عن أسلم مولى عمر أنه جاء في كتاب عمر إلى أمراء أهل الجزية (. . . ويُضَيّفونَ من نزل بهم من أهل الإسلام ثلاثة أيام) رواه البيهقي.

ب- وعَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عُمَرَ شَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.

قال ابن قدامة: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ: تَجِبُ (يعني الضيافة) بِغَيْرِ شَرْطٍ، كَوُجُوبِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ أَدَاءُ مَالٍ، فَلَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، كَالْجِزْيَةِ. (المغني).

<<  <  ج: ص:  >  >>