قال ابن حجر: فإن ظاهر قوله: (فإن جاء صاحبها … ) بعد قوله: (كلها) يقتضي وجوب ردها بعد أكلها، فيحمل على رد البدل.
وقال: وأصرح من ذلك رواية أبي داود (فإذا جاء باغيها فأدها إليه، وإلا فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء باغيها فأدها إليه) فأمر بأدائها إليه قبل الإذن في أكلها وبعده، وهي أقوى حجة للجمهور.
(ويحرم تصرفه فيها حتى يعرف صفاتها).
أي: يحرم على واجد اللقطة أن يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها بحيث لو جاء صاحبها في أي وقت ووصفها ردها عليه إن كانت موجودة أو ردّ بدلها إن لم تكن موجودة، لأن ملكه لها مراعى يزول بمجيء صاحبها.
لحديث زيد بن خالد السابق (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً … ).
(عِفَاصَهَا) بكسر العين، والعفاص الوعاء الذي تكون فيه النفقة.
(وَوِكَاءَهَا) الوِكاء هو الخيط الذي يشد به العفاص.
وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعرفة ذلك لأمرين:
الأمر الأول: لأجل أن يميزها من بين ماله، فلا تلتبس بماله.
الأمر الثاني: لأجل أن يعرف صدق واصفها من كذبه.
- واختلف العلماء هل يجب الإشهاد على وجدانها أم لا على قولين:
قيل: يجب.
لحديث عِيَاض بْن حِمَار، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوِي عَدْلٍ، وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَهُوَ مَالُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) رواه أبو داود.
قالوا: هذا أمر، والأمر للوجوب.
وقيل: مستحب.
وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.
قالوا: لأنه لم يذكر في الأحاديث الصحيحة، فيحمل على الندب.
ولأن في الإشهاد عليها صيانة لنفسه عن الطمع فيها وكتمها، وحفظها من ورثته إن مات، ومن غرمائه إن أفلس.