قال القرطبي: المنّ يقع غالباً من البخيل والمعجب، فالبخيل تعظم في نفسه العطية، وإن كانت حقيرة في نفسها، والمُعجب يحمله العُجب على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنه مُنعِم بماله على المُعْطَى، وموجب ذلك كله الجهل، ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه.
وقال بعض السلف: من منّ بمعروفه سقط شكره، ومن أعجب بعمله حبط أجره.
(حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ) قال القرطبي: يعني أنه تصدق به على رجل ليجاهد عليه، ويتملكه لا على وجه الحبس، إذ لو كان كذلك لما جاز له أن يبيعه، وقد وجده عمر في السوق يباع، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- (لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك) فدل على أنه ملّكه إياه على جهة الصدقة ليجاهد عليه في سبيل الله.
(فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ) معنى إضاعته له، أنه لم يحسن القيام عليه، وقصّر في مؤونته وخدمته، وقد جاء في رواية (فوجده عند صاحبه، وقد أضاعه، وكان قليل المال).
(فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ) أي: بثمن قليل، قال القرطبي: إنما ظن ذلك، لأنه هو الذي كان أعطاه إياه، فتعلق خاطره بأنه يسامحه في ترك جزء من الثمن، وحينئذ يكون رجوعاً في عين ما تصدق به في سبيل الله، ولما فهِم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا نهاه عن ابتياعه، وسمى ذلك عوْداً، فقال: لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك.
(لَا تَبْتَعْهُ) وفي الرواية الثانية (لا تشتره)، وفي الرواية التالية (ولا تعد في صدقتك)
ب- ولأن الفقير (قابض الزكاة) قد يحابي هذا المشتري، وحينئذ تعود بعض منفعة زكاته إليه.