للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وإِذَا غَنِمُوا أَرْضاً فَتَحُوهَا بالسَّيْفِ خُيِّرَ الإِمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ويضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجَاً مُسْتَمِرّاً يُؤْخَذُ مِمَّن هِي بِيَدِه).

إذا غنم المسلمون أرضاً، وأخذوها قهراً بالسيف، فإن الإمام يخيّر بين أمرين:

الأول: أن يقسمها بين الغانمين.

كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بخيبر.

الثاني: أن يوقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجاً سنوياً يؤخذ ممن هي بيده ولا يملكها أحد.

كما فعل عمر حين فتح الشام ومصر فأوقفها على المسلمين.

قال ابن قدامة:. . . فَإِنْ فُتِحَ عَنْوَةً فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهُنَّ، أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قِسْمَتِهَا عَلَى الْغَانِمِينَ، وَبَيْنَ وَقَفَّيْتهَا عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ قَدْ ثَبَتَ فِيهِ حُجَّةٌ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَسَّمَ نِصْفَ خَيْبَرَ، وَوَقَفَ نِصْفَهَا لِنَوَائِبِهِ وَوَقَفَ عُمَرُ الشَّامَ وَالْعِرَاقَ وَمِصْرَ وَسَائِرَ مَا فَتَحَهُ، وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَسَمَ شَيْئًا مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي افْتَتَحُوهَا.

لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فِي خَيْبَرَ.

وَلِأَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَوْلَا آخِرُ النَّاسِ لَقَسَمْت الْأَرْضَ كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- خَيْبَرَ.

فَقَدْ وَقَفَ الْأَرْضَ مَعَ عِلْمِهِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا، كَيْفَ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ وَقَفَ نِصْفَ خَيْبَرَ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْغَانِمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْفُهَا. … (المغني).

[فائدة]

وهذا التخيير تخيير مصلحة وليس تخيير تَشَهٍّ؛ وذلك للقاعدة التي سبقت (أن من خُيِّر بين شيئين ويتصرف لغيره وجب عليه فعل الأصلح، وإن كان لنفسه فله أن يعدل إلى الأسهل سواء كان أصلح أو غير أصلح)،

قال ابن قدامة:. . . إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ الِاخْتِيَارَ الْمُفَوَّضَ إلَى الْإِمَامِ اخْتِيَارُ مَصْلَحَةٍ، لَا اخْتِيَارُ تُشَهِّ فَيَلْزَمُهُ فِعْلُ مَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ، كَالْخِيَرَةِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَالْفِدَاءِ وَالْمَنِّ فِي الْأَسْرَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>