[القول الثالث: أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم.]
وهذا مذهب مالك، واختاره ابن حزم.
لحديث أنس السابق.
وأما جمع التقديم فلم يصح فيه حديث.
فحديث أنس السابق فيه (صلى الظهر ثم ركب).
والقول الراجح مذهب الجمهور، وهو جواز الجمع تقديماً وتأخيراً.
وأما الجواب عن أدلة أصحاب القول الأول. (أن المقصود الجمع الصوري).
قال ابن قدامة: فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَى الْجَمْعِ فِي الْأَخْبَارِ أَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَالْأُخْرَى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا.
قُلْنَا: هَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْخَبَرُ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُهُمَا فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَلِقَوْلِ أَنَسٌ: أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِين يَغِيبَ الشَّفَقُ.
فَيَبْطُلُ التَّأْوِيلُ.
الثَّانِي: أَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ، فَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَكَانَ أَشَدِّ ضِيقًا، وَأَعْظَمِ حَرَجًا مِنْ الْإِتْيَانِ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا أَوْسَعُ مِنْ مُرَاعَاةِ طَرَفَيْ الْوَقْتَيْنِ، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْأُولَى إلَّا قَدْرُ فِعْلِهَا. (المغني).
وقال الخطابي: بأن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقاً من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلاً عن العامة.
وقال في الفتح مؤيداً لما قاله الخطابي: وأيضاً فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين، وذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع.
وأما الجواب عن أصحاب القول الثالث: (لم يصح حديث في جمع التقديم):
فالجواب: أنه صح التقديم في عرفات كما في صحيح مسلم، وصح أيضاً في الحضر كما في حديث ابن عباس السابق (جمع بين … من غير خوف ولا مطر) وإذا صح جمع التقديم في الحضر ففي السفر من باب أولى.