وقال القرطبي: تنبيه: آيةُ السَّرقة وردت عامة مطلقة، لكنها مخصَّصة مقيَّدة عند كافة العلماء؛ إذ قد خرج من عموم السَّارق من سرق أقل من نصاب، وغير ذلك. وتقيَّدت باشتراط الحِرز، فلا قطع على من سرق شيئًا من غير حرز بالإجماع، إلا ما شذَّ فيه الحسن، وأهل الظاهر، فلم يشترطوا الحِرز. (المفهم).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَلَا يَكُونُ السَّارِقُ سَارِقًا حَتَّى يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ حِرْزٍ. فَأَمَّا الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ صَاحِبِهِ وَالثَّمَرُ الَّذِي يَكُونُ فِي الشَّجَرِ فِي الصَّحْرَاءِ بِلَا حَائِطٍ، وَالْمَاشِيَةُ الَّتِي لَا رَاعِيَ عِنْدَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ، لَكِنْ يُعَزَّرُ الْآخِذُ وَيُضَاعَفُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ، كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ " انتهى
(وحِرز كل مال: ما حفظ فيه عادة).
أي: أن حرز كل شيء ما حفظ فيه عادة، ويختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره، فحرز النقود غير حرز الماشية، وكذا حرز الأطعمة والأمتعة وغيرها.
(وانتفاء الشبهة: فلا قطع في بسرقته من مال فروعه وأصوله).
هذا الشرط الرابع من شروط القطع: انتفاء الشبهة.
والشبهة: هي كل ما يمكن أن يكون عذراً للسارق في الأخذ.
فلو سرق الابن من مال أبيه فلا قطع، لوجود شبهة إنفاق، لأن نفقة كل واحد منهما تجب في مال الآخر.
ولو سرق الأب من مال ابنه فلا قطع، لوجود شبهة، وهي شبهة التملك والتبسط به.
فالأصول والفروع لا يقطع بعضهم بالسرقة من مال بعض.
وذهب بعض العلماء: إلى أن كل قريب سرق من قريبه يقطع، إلا الأب إذا سرق من مال ولده فلا يقطع.