ب- أننا لو قبلنا مجرد رجوع المقرِّ عن إقراره لَمَا أُقيم حدٌّ في الدنيا، لأن كلَّ من يعرف أنه سيحد سيرجع عن إقراره إلا مَنْ صَدَقَ في توبته وأراد تطهير نفسه من الذنب.
ج- أنَّ الحدَّ حقٌ وجبَ بإقراره؛ فلم يُقبل منه الرجوع كسائر الحقوق.
القول الثاني: أنَّ رجوع المقر عن إقراره في الحدود مقبولٌ مطلقاً سواء قبل الحكم أو بعده أو عند تنفيذه.
وهذا هو قول الحنفية، والمالكية في المشهور عنهم، والشافعية، والحنابلة، وهو اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم.
أ-لما ورد في بعض روايات حديث ماعزٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للصحابة -رضي الله عنهم- لمَّا تبعوا ماعزاً: (هلا تركتموه يتوب، فيتوب الله عليه).
وقد قال ابن عبد البر في التمهيد: ثبت من حديث أبي هريرة، وجابر، ونعيم بن هزال، ونصر بن دهر وغيرهم.
وجه الاستدلال: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل الهرب الدال على الرجوع مسقطاً للحدِّ؛ فسقوطه بالرجوع الصريح أولى.
ب- أنَّ رجوع المقرِّ عن إقراره شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، والشبهة هنا: احتمال كذبه على نفسه.
(ومنْ باعَ أو وهب أو أعتق ثم أقرّ بذلك لغيرهِ لم يُقبل ولم ينفسخ البيع، ويغرمُه لمُقر له).
مثال: إنسان باع سيارة على شخص، ثم بعد ذلك أقر وقال: السيارة التي بعتها لك ليس ملكاً لي.
وكذلك في الهبة والعتق. فلا يقبل إقراره:
لأنه إقرار على غيره بعد أن نفذ تصرفه.
ولإنه قد يتخذ حيلة على إبطال البيع.
ويغرمُه لمُقر له: لأنه فوّتَه عليه.