للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن تيمية: والقصر سببه السفر خاصة، لا يجوز في غير السفر. وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل، وكذلك الجمع للمطر ونحوه، وللمرض ونحوه، ولغير ذلك من الأسباب؛ فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة.

(وبين العشاءين لمطرٍ يَبُلّ الثياب ووَحَلٍ).

أي: ومن الأعذار التي تبيح الجمع وجود المطر الذي يبل الثياب، ووجود الوحل.

قال ابن قدامة: وَالْمَطَرُ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ هُوَ مَا يَبُلُّ الثِّيَابَ، وَتَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ بِالْخُرُوجِ فِيهِ، وَأَمَّا الطَّلُّ وَالْمَطَرُ الْخَفِيفُ الَّذِي لَا يَبُلُّ الثِّيَابَ، فَلَا يُبِيحُ، وَالثَّلْجُ كَالْمَطَرِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ الْبَرَد.

ثم قال ابن قدامة: وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَفَعَلَهُ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنْ مَرْوَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

وَلَنَا، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ: إنَّ مِنْ السُّنَّةِ إذَا كَانَ يَوْمٌ مَطِيرٌ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.

وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.

وَقَالَ نَافِعٌ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَجْمَعُ إذَا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.

وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ؛ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَيُصَلِّيَهُمَا مَعَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ،، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَا يُنْكِرُونَهُ.

وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا. … (المغني).

وقد روى مسلم في صحيحه: عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ)، وفي رواية (فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفر).

قال الشيخ ابن باز: فدل ذلك على أنه قد استقر عند الصحابة أن الخوف والمطر عذر في الجمع كالسفر.

جاء في (الموسوعة الفقهية) ذهب جمهور الفقهاء من لمالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر المبلل للثياب والثلج والبرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>