وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) وروي (بأقوام لا خلاق لهم).
وإن لم يكن فاجراً، كان أولى بإمارة الحرب ممن هو أصلح منه في الدين إذا لم يسد مسده.
ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعمل خالد بن الوليد على الحرب، منذ أسلم، وقال:«إن خالداً سيف سد الله على المشركين». مع أنه أحيانا قد كان يعمل ما ينكره النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى إنه -مرة- قام ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد " لما أرسله إلى بني جذيمة فقتلهم، وأخذ أموالهم بنوع شبهة، ولم يكن يجوز ذلك، وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة، حتى وداهم النبي صلى الله عليه وسلم، وضمن أموالهم.
ومع هذا فما زال يقدمه في إمارة الحرب؛ لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره، وفعل ما فعل بنوع تأويل.
وكان أبو ذر -رضي الله عنه- أصلح منه في الأمانة والصدق؛ ومع هذا قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم) رواه مسلم.
نهى أبا ذر عن الإمارة والولاية، لأنه رآه ضعيفاً مع أنه قد روي (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر). وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل -استعطافاً لأقاربه الذين بعثه إليهم- على من هم أفضل منه. وأمر أسامة بن زيد؛ لأجل طلب ثأر أبيه. وكذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة راجحة، مع أنه قد كان يكون مع الأمير من هو أفضل منه في العلم والإيمان. (السياسة الشرعية)