قال ابن القيم: هو دليلٌ ظاهر الدلالةِ جدًا على أنَّ الذُّباب إذا مات في ماء أو مائع، فإنه لا يُنجِّسه، وهذا قول جمهور العلماء، ولا يُعرف في السَّلَف مخالفٌ في ذلك.
ووَجهُ الاستدلال به: أنَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أمر بمَقْلِهِ، وهو غمسُه في الطعام، ومعلومٌ أنه يموت من ذلك، ولا سِيَّما إذا كان الطعامُ حاراً، فلو كان يُنجسه لكان أمراً بإفساد الطعام، وهو -صلى الله عليه وسلم- إنما أمر بإصلاحه، ثم عُدِّىَ هذا الحكمُ إلى كل ما لا نفس له سائلة، كالنحلة والزُّنْبُور، والعنكبوت، وأشباهِ ذلك، إذ الحكمُ يَعُمُّ بعُموم عِلَّتِه، وينتفي لانتفاء سببه. [زاد المعاد].
• وقاس العلماء على الذباب كل مالا نفس له سائلة من الحشرات فحكموا لطهارتها وأنها لا تنجس ما سقطت: كالنملة، والبعوضة، والعنكبوت، والخنفساء، والنحل، والبق ونحو ذلك، فإذا وقع في طعام أو شراب لم يُحرِّمْه ولم ينجسه، لهذا الحديث.
لأن الحكم يعم بعموم علته وينتفي لانتفاء سببه، ولما كان سبب التنجيس هو الدم المحتقن في الحيوان بموته وكان ذلك مفقوداً فيما لا دم له سائل، انتفى الحكم بالتنجيس لانتفاء علته.
فلو وقع الجعل في الماء ومات فالماء طاهر.
وكذا لو وقعت العقرب في ماء فهو طاهر، لأنها لا تنجس بالموت.
(وما أُبِينَ من حيٍّ فهو ميتتهِ).
(أبين) أي فُصل من حيوان حيٍّ.
(كميتته) يعني: طهارة، ونجاسة، حِلًّا، وحُرمة.
فما أُبينَ من الآدمي فهو طاهر، حرام لحرمته لا لنجاسته.
وما أُبين من السَّمك فهو طاهر حلال.
وما أبين من البقر فهو نجس حرام، لأنَّ ميتتها نجسة حرام.
لحديث أَبِي وَاقِدٍ اَللَّيْثِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- (مَا قُطِعَ مِنْ اَلْبَهِيمَةِ -وَهِيَ حَيَّةٌ- فَهُوَ مَيِّتٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
فهذا الحديث يدل على: أن ما أبين وقطع من بهيمة في حال حياتها فهو كميتتها طهارة أو نجاسة، حلاً أو حرمة.
مثال: ما قطع من الشاة - وهي حية - فهو نجس وحرام، لأنه بمنزلة ميتة الشاة، وميتة الشاة نجسة.
مثال: ما قطع من سمكة - وهي حية - فهو طاهر وحلال، لأن ميتة السمكة طاهرة وحلال.