(وإن أنكرَ دعوى المدعِي أو سكت وهو يجهله، ثم صالحه، صح الصلح، وكان إبراء في حقه، وبيعاً في حق المدعي).
هذا النوع الثاني من أنواع الصلح: وهو الصلح على إنكار.
وهو: أن يدعي شخص على آخر عيناً أو ديناً أو منفعة، فينكر ما ادعاه ثم يتصالحان.
وهو جائز عند جماهير العلماء.
مثاله: أن يدّعي (زيد) على (عمرو) عشرة آلاف ريال، أو يدعي عليه سيارة بيده، أو داراً، فأنكر المدعى عليه (عمرو) هذا الديْن، وبدلاً من الذهاب إلى المحكمة والقضاء، أراد المدعى عليه قطع النزاع وافتداءً اليمين، فصالح المدعى عليه المدعي على سبعة آلاف ريال مثلاً، فأخذها زيد وانتهى ما بينهما.
(وإن كَذَبَ أحدهما لم يصحَّ في حقه باطناً وما أخذه حرام).
قوله (أحدهما) أي: المدعى عليه أو المدعي.
وقوله (لم يصح في حقه باطناً) أي: فيما بينه وبين الله.
أما ظاهراً فإنهما لو ترافعا إلى القاضي في المحكمة حكم بالصلح، لكن باطناً فيما بينه وبين الله، فالكاذب لا يصح الصلح في حقه، وعلى هذا فلا يصح أن يتصرف في العين التي أخذها وهو يعتقد أنها ليست له في الواقع؛ لأنه ادعاها كذباً، وما أخذه من العوض ـ
سواء كان المدعي أو المدعى عليه ـ حرام لا يحل له؛ لأنه أخذه بغير حق.
مثال ذلك: رجل ادعى على رجل أن قطعة الأرض هذه له، وهي أرض مشتركة، فأنكر من بيده الأرض ثم اتفقا على الصلح، فأعطى المدعى عليه للمدعي مائة درهم، عوضاً عن الأرض.
إن كان المدعي صادقاً، والمنكر ـ المدعى عليه ـ كاذباً، فالأرض حرام على المدعى عليه كالأرض المغصوبة تماماً.
وإن كان بالعكس، المدعى عليه هو المحق والمدعي هو المبطل، فالعوض الذي أخذه عن الأرض وهو الدراهم تكون حراماً عليه، وهذا واضح ويتمشى مع القواعد الشرعية؛ لأن كلَّ من أخذ شيئاً بغير حق فهو حرام عليه.
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (إنكم تختصمون إليَّ ولعلَّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له، وإنما أقضي بنحو ما أسمع، فمن اقتطعت له شيئاً من مال أخيه فإنما أقتطع له جمرة من النار فليستقل أو ليستكثر).