(ولمريضٍ يلحقُه بتركهِ مشقةٍ).
أي: ومن أسباب الجمع إذا كان الإنسان مريضاً يلحقه بترك الجمع مشقة وضَعف.
وقد رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- للمرأة المستحاضة وهي التي ينزل منها الدم في غير أيام عادتها، رخص لها أن تجمع بين الصلاتين.
عن حَمْنةَ بِنتِ جَحشٍ رَضِيَ اللهُ عنها (أنَّها استفتَتِ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في الاستحاضةِ، فقال لها: فإن قَويتِ على أنْ تُؤخِّري الظُّهرَ، وتُعجِّلي العَصرَ، فتَغتسلينَ وتَجمعينَ بين الصَّلاتينِ، فافعلي) رواه أبو داود.
والاستحاضة نوع مرض.
واحتج الإمام أحمد على جواز الجمع بين الصلاتين للمريض بأن المرض أشد من السفر، واحتجم بعد الغروب ثم تعشى ثم جمع بين صلاتي المغرب والعشاء. (كشاف القناع).
قال ابن قدامة: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِأَجْلِ الْمَرَضِ.
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ أَخْبَارَ التَّوْقِيتِ ثَابِتَةٌ، فَلَا تُتْرَكُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ.
وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ) وَفِي رِوَايَةٍ (مِنْ
غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَر) رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ لِمَرَضٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذَا عِنْدِي رُخْصَةٌ لِلْمَرِيضِ وَالْمُرْضِعِ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ، وَحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ، لَمَّا كَانَتَا مُسْتَحَاضَتَيْنِ بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ وَتَعْجِيلِ الْعَصْرِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، فَأَبَاحَ لَهُمَا الْجَمْعَ لِأَجْلِ الِاسْتِحَاضَةِ.
وَأَخْبَارُ الْمَوَاقِيتِ مَخْصُوصَةٌ بِالصُّوَرِ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ فِيهَا، فَيُخَصُّ مِنْهَا مَحَلُّ النِّزَاعِ بِمَا ذَكَرْنَا. (المغني).