للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول الثاني: لا تغرب.]

وهذا قول المالكية.

لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إلَى حِفْظٍ وَصِيَانَةٍ.

وَلِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ التَّغْرِيبِ بِمَحْرَمٍ أَوْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، لَا يَجُوزُ التَّغْرِيبُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ).

وَلِأَنَّ تَغْرِيبَهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ إغْرَاءٌ لَهَا بِالْفُجُورِ، وَتَضْيِيعٌ لَهَا، وَإِنْ غُرِّبَتْ بِمَحْرَمٍ، أَفْضَى إلَى تَغْرِيبِ مَنْ لَيْسَ بِزَانٍ، وَنَفْيِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَإِنْ كُلِّفَتْ أُجْرَتَهُ، فَفِي ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى عُقُوبَتِهَا بِمَا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، كَمَا لَوْ زَادَ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ.

وَالْخَبَرُ الْخَاصُّ فِي التَّغْرِيبِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الصَّحَابَةُ -رضي الله عنهم-، وَالْعَامُّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِعُمُومِهِ مُخَالَفَةُ مَفْهُومِهِ، فَإِنَّهُ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الزَّانِي أَكْثَرُ مِنْ الْعُقُوبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ، وَإِيجَابُ التَّغْرِيبِ عَلَى الْمَرْأَةِ يَلْزَمُ مِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَفَوَاتُ حِكْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَجَبَ زَجْرًا عَنْ الزِّنَا، وَفِي تَغْرِيبِهَا إغْرَاءٌ بِهِ، وَتَمْكِينٌ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُخَصَّصُ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ بِإِسْقَاطِ الْجَلْدِ، فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، فَتَخْصِيصُهُ هَاهُنَا أَوْلَى.

ورجح هذا القول ابن قدامة.

القول الثالث: أن التغريب ليس من تمام الحد، وإنما هو عقوبة تعزيرية راجعة إلى رأي الإمام حسب المصلحة.

والراجح إن وجد محرم متبرعاً بالسفر معها فإنها تغرب عملاً بأحاديث التغريب، وإن لم يوجد فلا تغرب عملاً بأحاديث النهي عن السفر بدون محْرَم.

فائدة: ٢

ما فوائد التغريب؟

أولاً: أنه يبتعد عن محل الفاحشة لئلا تحدثه نفسه بالعودة إليها.

ثانياً: أن التغريب يكون منشغل البال غير مطمئن.

<<  <  ج: ص:  >  >>