وأما ما رواه مسلم عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي إِمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي).
فالمراد بالانصراف هنا: السلام.
قال النووي رحمه الله: " قَوْله -صلى الله عليه وسلم- (لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ) فِيهِ تَحْرِيم هَذِهِ الْأُمُور وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَالْمُرَاد بِالِانْصِرَافِ: السَّلَام " انتهى.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (١/ ١٥١): " وللمأموم أن ينصرف إذا قضى الإمام السلام قبل قيام الإمام، وأن يؤخر ذلك حتى ينصرف بعد انصراف الإمام، أو معه أحب إلي له " انتهى.
وقال ابن قدامة: ويستحب للمأمومين أن لا يثبوا قبل الإمام، لئلا يذكر سهواً فيسجد.
(وَيُكْرَهُ وُقُوفُهُمْ بَيْنَ السَّوَارِي إِذَا قَطَعْنَ الصُّفُوف).
أي: يكره وقوف المأمومين بين السواري (وهي الأعمدة) إذا كان ذلك يؤدي إلى قطع الصفوف.
وقد ورد النهي عن الصف بين سواري المسجد (وهي الأعمدة)؛ لأنها تقطع الصفوف.
أ-فقد روى ابن ماجة عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا).
ب- وروى الترمذي عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ: صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ، فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ فَصَلَّيْنَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: (كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن قدامة: ولا يكره للإمام أن يقف بين السواري، ويكره للمأمومين؛ لأنها تقطع صفوفهم.
وقال ابن مفلح: وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ الْوُقُوفُ بَيْنَ السَّوَارِي، قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهَا تَقْطَعُ الصَّفّ.
إلا إذا كانت هناك حاجة للصف بين السواري، لكثرة المصلين، وضيق المسجد، فلا كراهة حينئذ.