للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ولا يحكم بعلمهِ).

أي: لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه.

وهذا قول مالك وأحمد ونصره ابن القيم.

لحديث أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، مِنْهُ فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ اَلنَّارِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

لقوله -صلى الله عليه وسلم- (فأقضي له نحو ما أسمع) فدل على أنه يقضي فيما يسمع لا فيما يعلم.

قال القرطبي: قوله تعالى (يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ … ).

هَذِهِ الْآيَةُ تَمْنَعُ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ، لِأَنَّ الْحُكَّامَ لَوْ مُكِّنُوا أَنْ يَحْكُمُوا بِعِلْمِهِمْ لَمْ يَشَأْ أَحَدُهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْفَظَ وَلِيَّهُ وَيُهْلِكَ عَدُوَّهُ إِلَّا ادَّعَى عِلْمَهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ. وَنَحْوَ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَا أَخَذْتُهُ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرِي. وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى عُمَرَ فَقَالَتْ لَهُ: احْكُمْ لِي عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا فَإِنَّكَ تَعْلَمُ مَا لِي عِنْدَهُ. فَقَالَ لَهَا: إِنْ أَرَدْتِ أَنْ أَشْهَدَ لَكِ فَنَعَمْ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلَا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ اشْتَرَى فَرَسًا فَجَحَدَهُ الْبَائِعُ، فَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ وَقَالَ: "مَنْ يَشْهَدُ لِي "فَقَامَ خُزَيْمَةُ فَشَهِدَ فَحَكَمَ. خَرَّجَ الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُه

وذهب بعض العلماء: إلى جواز ذلك.

وهو قول أبي يوسف وأبي ثور واختاره المزني وهو قول الظاهرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>