وقال رحمه الله: الجهاد فيه خير الدنيا والآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة، قال الله تعالى في كتابه (قل هل تربصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين) يعني: إمّا النصر والظفر، وإمّا الشهادة والجنة. فمن عاش من المجاهدين كان كريماً له ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة، ومن مات منهم أو قتل فإلى الجنة.
وقال: وما في القرآن من الأمر بالإيتاء والإعطاء وذم من ترك ذلك: كله ذم للبخل، وما في القرآن من الحظ على الجهاد والترغيب فيه وذم الناكلين عنه والتاركين له: كله ذم للجبن، ولما كان صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشجاعة والكرم، بين سبحانه أن من تولى عن الجهاد بنفسه أبدل الله به من يقوم بذلك.
وقال: فمن ترك القتال الذي أمر الله به لئلا تكون فتنة: فهو في الفتنة ساقط بما وقع فيه من ريب قلبه ومرض فؤاده، وتركه ما أمر الله به من الجهاد، فتدبر هذا فإن هذا مقام خطر.
وقال: ولهذا كانت أكثر الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة والجهاد، وكان إذا عاد مريضاً يقول: اللهم اشف عبدك، يشهد لك صلاة، وينكأ لك عدواً.
وقال: ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر، فإن الحق معه، لأن الله يقول:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) وفي الجهاد أيضاً: حقيقة الزهد في الحياة الدنيا، وفي الدار الدنيا، وفيه حقيقة الإخلاص، وأعظم مراتب الإخلاص: تسليم النفس والمال للمعبود.
(وَهُو فَرْضُ كِفَايَة).
أي: أن حكم الجهاد - في الأصل - فرض كفاية. (إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقي).
وهذا قول أكثر العلماء.
قال ابن قدامة: والجهاد من فروض الكفايات في قول عوام أهل العلم.
وقال ابن عطية: والذي استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فرض كفاية.